أفضل مواضع الإنفاق في القرآن الكريم

(لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ الله لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ)[1].

سبب النزول:

نقل عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: إن هذه الآية نزلت في أصحاب "الصفة. وهم جمع نحو أربعمائة شخص من مسلمي مكة وأطراف المدينة ممن لم يكن لهم مأوى يأوون إليه في المدينة، ولا قريب يؤويهم في منزله، فاتخذوا من مسجد النبي منزلاً معلنين استعدادهم للذهاب إلى ميادين الجهاد دائماً، ولكن بما أن بقاءهم في المسجد لم يكن ينسجم مع شؤونه فقد أمروا بالانتقال إلى "صفة" وهي دكة عريضة كانت خارج المسجد.

ونزلت الآية تحث المسلمين أن يغدقوا مساعداتهم على إخوتهم هؤلاء فأعانوهم.

صرح بعض المفسرين: "لقد كان هذا الوصف الموحي ينطبق على جماعة من المهاجرين، تركوا وراءهم أموالهم وأهليهم، وأقاموا في المدينة ووقفوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله، وحراسة رسول الله(صلى الله عليه وآله) كأهل الصفة الذين كانوا بالمسجد حرساً لبيوت الرسول(صلى الله عليه وآله) لا يخلص إليها من دونهم عدو....

ويبين الله في هذه الآية أفضل مواضع الإنفاق، وهي التي تتصف بالصفات التالية:

1- (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ الله)، أي: الذين شغلتهم الأعمال الهامة كالجهاد ومحاربة العدو، وتعليم فنون الحرب، وتحصيل العلوم الأخرى، عن العمل في سبيل الحصول على لقمة العيش كأصحاب الصفة الذين كانوا خير مصداق لهذا الوصف.

ثم للتأكيد تضيف الآية: (لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ)، أي: الذين لا يقدرون على الترحال لكسب العيش بالسفر إلى القرى والمدن الأخرى حيث تتوفر نعم الله تعالى.

وعليه فإن القادرين على كسب معيشتهم يجب أن يتحملوا عناء السفر في سبيل ذلك وأن لا يستفيدوا من ثمار أتعاب الآخرين إلا إذا كانوا منشغلين بعمل أهم من كسب العيش كالجهاد في سبيل الله.

2- (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ)، هؤلاء الذين لا يعرف الآخرون شيئاً عن بواطن أمورهم، ولكنهم - لما فيهم من عفة النفس والكرامة - يظنون أنهم من الأغنياء. ولكن هذا لا يعني أنهم غير معروفين. لذا تضيف الآية: (تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ) والسيماء: هي العلامة، فهؤلاء وإن لم يفصحوا بشيء عن حالهم، فإن على وجوههم علامات تنطق بما يعانون يدركها العارفون، فلون وجناتهم ينبئ عما خفي من أسرارهم.

3- والثالث من صفات هؤلاء أنهم لا يصرون في الطلب والسؤال: (لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا)، أي: أنهم لا يشبهون الفقراء الشحاذين الذين يلحون في الطلب من الناس، فهم يمتنعون عن السؤال فضلاً عن الإلحاف، فالإلحاح في السؤال شيمة ذوي الحاجات العاديين، وهؤلاء ليسوا عاديين.

وقول القرآن إنهم لا يلحفون في السؤال لا يعني أنهم يسألون بدون إلحاف، بل يعني أنهم ليسوا من الفقراء العاديين حتى يسألوا، ولذلك لا تتعارض هذه الفقرة من الآية مع قوله تعالى: (تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ) لأنهم لا يعرفون بالسؤال.

ثمة احتمال آخر في تفسير الآية، وهو أنهم إذا اضطرتهم الحالة إلى إظهار عوزهم فإنهم لا يلحفون في السؤال أبداً، بل يكشفون عن حاجتهم بأسلوب مؤدب أمام إخوانهم المسلمين.

(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ). في هذه الآية حث على الإنفاق، وعلى الأخص الإنفاق على ذوي النفوس العزيزة الأبية، لأن المنفقين إذا علموا أن الله عالم بما ينفقون حتى وإن كان سراً وأنه سوف يثيبهم على ذلك، فستزداد رغبتهم في هذا العمل الكبير.

الاستجداء بدون حاجة حرام:

إن أحد الذنوب الكبيرة هو السؤال والاستجداء والطلب من الناس من دون حاجة، لذلك وقد ورد في روايات متعددة النهي عن هذا العمل بشدة، ففي الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: «لا تحل الصدقة لغني».

وورد في حديث آخر عنه(صلى الله عليه وآله) أنه قال: «من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمرة جهنم»[2]، وكذلك ورد في الأحاديث الشريفة: «أنه لا تقبل شهادة من يسأل الناس بكفه»[3].

مجلة بيوت المتقين العدد (90)

 


[1] سورة البقرة: آية 273.

[2] تفسير المراغي: ج3، ص50.

[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج8، ص281؛ تفسير الأمثل، السيد مكارم الشيرازي: ج2، ص329 بتصرف.