الدينُ لغةً: الطاعة، والانقياد، وهو اسمٌ لما يُعبدُ الله به.
وفي الاصطلاح، هو: الإقرار بأنّه تعالى أوجد الكائنات ونظّمها بحكمته، فعلى العاقل أن يتّخذ ديناً يتعبّد به لهذا الخالق العظيم، والمُدبّر الحكيم.
والأديان السماوية التي جاءت بها رسل الخالق وسفراؤه إلى عباده من لدن هذا الخالق الخبير كثيرة، وكلّها تدعو العباد لإصلاح الفساد، وتعليم النظم، والسَير في طريق الطاعة لإلهٍ واحدٍ وهو الله سبحانه.
ورسالة كل رسولٍ كانت بحسب زمانه، وبحسب النضج العقلي للأمّة التي بُعث إليها، وآخر الرسالات وأكملُها الشريعة الإسلامية، لأنّها عقيدة وشريعة تكفل جميع حاجات البشر في جميع مراحل الحياة، وإلى آخر الزمان.
والدين الإسلامي: هو مِلّة الإسلام، بما تضمّنه من عقيدة التوحيد التي هي دين جميع المرسلين، من لدن آدم ونوح إلى خاتم النبيين محمد (صلّى الله عليه وآله).
وهذه الرسالة الخالدة والدين الكامل نصّ الكتاب عليها قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾[1].
الإسلام والإيمان:
بعد أن جاء الإسلام، وهو الدين الكامل الضامن لكل متطلبات الإنسان الفطرية في هذه الحياة الدنيا، وكذلك متطلباته للعيش بسعادة في الآخرة، فهو يضمن سعادة الدارين، فلا يقبل الله من الناس ديناً غيره، قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[2]، وهذا مقتضى اللطف والرحمة الإلهية، إذ أن الله (جل وعلا) لما علم بطريق سعادة الإنسان في النشأتين أوجب عليه إتباعه للوصول إليها، وحرم عليه أي طريق آخر لا يضمن له ذلك، وهذا أمر يتفق عليه العقلاء، إذ أن العقلاء يمدحون من يُجنِّب الآخرين سلوك الطريق المؤدي إلى الأذى، فضلا عن الهلاك، ويذمون من لا ينبّه الآخرين لهذا الخطر، مع علمه به، بل من شدّة شفقته على السالكين قد يحرم عليهم سلوك هذا الطريق، فيقال: ما أشفق هذا الإنسان قد علم بالخطر فمنع الناس من الوقوع فيه.
والإسلام: هو الإقرار باللسان بالشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله) فمن قال ذلك فهو مسلم حُقِن دمهِ، ومالهِ، وعِرضهِ، إلّا أن يُطالب بحق.
بعد ذلك يأتي الإيمان قال تعالى: ﴿قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾[3].
والإيمان: هو إقرارٌ باللسان وعملٌ بالأركان، وتصديقٌ بالجَنان، فمن أقرّ بالشهادتين، والتزم العمل بأركان الإسلام من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍ وغيرها من الأحكام، مُعتقداً بذلك في قلبه، فهو مؤمن.
قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان)[4].
وقال(صلّى الله عليه وآله) حين سُئل ما الإيمان: (أن تؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين والموت والحياة بعد الموت)[5].
وعنه(صلّى الله عليه وآله): (الإيمان في عشرة: المعرفة، والطاعة، والعلم، والعمل، والورع، والاجتهاد، والصبر، واليقين، والرضا، والتسليم، فأيّهما فقد صاحبه بطل نظامه)[6].
وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: (سئل أمير المؤمنين(عليه السلام) عن الإيمان، فقال: إن الله عزّ وجلّ جعل الإيمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد...)[7].
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): (أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده)[8].
وأما غاية الدين ومبلغه ومنتهاه هو كما قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (غاية الدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود)[9].
وهذا الدين الإسلامي ليس من تفكير البشر، وإنّما أنزله الله على عبده محمد(صلّى الله عليه وآله) كاملاً غير منقوص، وهو صالحٌ للبقاء لكل زمان، ومكان، وأمّة، وهو مُتطوّر من جانب، وغير متطوّر من جانب آخر.
فالمُتطوّر منه هو الموضوعات الخارجية، فيصُحّ فيه الإجتهاد، بردّ الفروع إلى الأصول، مثلاً: الآية الكريمة قوله: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[10].
فلا تمنع الشريعة التطور من تبديل الخيل والبغال بالعربة والسيارة والطيارة، ولا تمنع الانتقال من الإضاءة بالشمعة إلى الزيت، إلى الكهرباء، إلى الذرّة، فالإسلام أباح هذا التطوّر، بل حثّ عليه في مختلف مفاصل الحياة.
والجانب غير المتطوّر، القيم الأخلاقية والأحكام الشرعية، وهو الثابت الذي إن تسرّب إليه التطوّر سبّب الخَبال والفساد، مثلاً: حسنُ الصدق، والأمانة، وقبح الظلم، وحرمة الاحتكار، وحرمة القتل، ووجوب الصلاة والصيام، ولزوم رضا المتعاملين، فلا يصحّ التبديل فيها.
لا حياة بلا دين:
وقال سيد البلغاء أمير المؤمنين(عليه السلام): (لا حياة إلا بالدّين...)[11].
فحياة الإنسان تعتبر حياة بلا فائدة إن كانت بلا دين ولا عقيدة، فإن غاية خلق الإنسان هي العبادة قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[12]، وهذه العبادة بدورها تُقَوِّم الإنسان وتهذبه، فلا ينبغي للعاقل أن يلهو بالدين، فيكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾[13].
ومعنى قوله تعالى ﴿لَهْواً وَلَعِباً﴾: أي حرَّموا ما شاءوا، واستحلوا ما شاءوا، بعد ذلك بين الله تعالى جزائهم بقوله: ﴿فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ﴾ أي: نعاملهم معاملة المنسيِّ في النار، فلا نجيب لهم دعوة، ولا نرحم لهم عبرة، ﴿كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا﴾ فلم يخطروه ببالهم، ولم يهتموا به، وَ﴿مَا﴾ في الموضعين مصدرية، والتقدير: كنسيانهم وكونهم جاحدين ﴿بِآيَاتِنَا﴾، خصوصاً وأن ديننا الدين القيم، والذي يوصينا به أمير المؤمنين(عليه السلام) حيث يقول: (أيها الناس! دينكم دينكم، فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره، والسيئة فيه تغفر، والحسنة في غيره لا تقبل!!)[14].
من فوائد الدين وآثاره:
الإيمان بالدين يمثل أكرم صلة بين الإنسان وخالقه، ذلك أن أشرف ما في الكون هو الإنسان، وأشرف ما في الإنسان قلبه، وأشرف ما في القلب الإيمان، ومن ثم كانت الهداية إلى الإيمان أجل نعمة، وأفضل آلاء الله على الإطلاق، قال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾[15].
ومن آثاره حب الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله) وأهل البيت(عليهم السلام) ، وتكريمهم، وتوقيرهم، والتأدب معهم أكثر من حبه لأهله، وأولاده، وأمواله، بل أكثر من كل شيء في الوجود، فيدعوه ذلك إلى طاعتهم، لأن الحب لا يؤدي إلا إلى الطاعة، وذلك يبعث في النفس روح الشجاعة، والشهامة، والصمود، فتجده يبذل الغالي والنفيس من أجل نصرة دينه وأوليائه.
علامات المؤمن:
عن طاووس بن اليمان أنه قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: (علامات المؤمن خمس، قلت: وما هن يا ابن رسول الله؟ قال: الورع في الخلوة، والصدقة في القلة، والصبر عند المصيبة، والحلم عند الغضب، والصدق عند الخوف)[16].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): (ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمانُ خصال: وقورٌ عند الهزاهز، صبورٌ عند البلاء، شكورٌ عند الرخاء، قانعٌ بما رزقه الله، لا يظلم الأعداء ولا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في تعب والناس منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل أمير جنوده، والرفق أخوه، والبر والده)[17].
[1] سورة آل عمران: آية19.
[2] سورة آل عمران: آية85.
[3] سورة الحجرات: آية14.
[4] الخصال، الشيخ الصدوق: ص178.
[5] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج56، ص260.
[6] المصدر السابق: ج66، ص175.
[7] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص50.
[8] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص39.
[9] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج12، ص185.
[10] سورة النحل: آية8.
[11] الإرشاد، الشيخ المفيد: ج1، ص296.
[12] سورة الذاريات: آية56.
[13] سورة الأعراف: آية51.
[14] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص464.
[15] سورة الحجرات: آية17.
[16] الخصال، الشيخ الصدوق: ص269.
[17] الكافي، الشيخ الكليني: ج3 ص583.