نقل محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني في كتابه الغيبة: ص154 حديثاً عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (قال أبو جعفر (عليه السلام): «يَقومُ القائمُ بأمرٍ جديدٍ، وكتابٍ جديدٍ، وقضاءٍ جديد، على العَربِ شديدٌ، لَيس شأنُهُ إلاّ السَّيفَ، لا يَسْتَتِيبُ أحداً، ولا يأخذُهُ في اللهِ لَوْمةُ لائِم».
تُرى، ما ذلك الأمر الجديد؟ والقضاء الجديد؟
أو ليس يحكم المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بأحكام وقضاء الشريعة الإسلامية؟
نستطيع تفسير القضاء الجديد – بناءً على صحّة الرواية – بما يلي:
إن الأحكام الإسلامية في هذا العصر - عصر الغيبة - لبعدها عن عصر التشريع الأول، يمكن تقسيمها إلى أقسام:
الأول: أحكام لم تعلن للناس أصلاً، بقيت معرفتها خاصّة بالله ورسوله والأئمة (عليهم السلام)، وإعلانها مؤجّل إلى زمن ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، إمّا لعدم الحاجة، أو لمصلحة ما.
وفي عصر الظهور فإنّ الأمّة بعد بلوغها المستوى اللائق لفهم هذه الأحكام، وبعد أن كان الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو الحافظ الوحيد من البشر للأحكام غير المعلنة سابقاً، يرويها عن آبائه (عليهم السلام)، سيكون الوقت قد حان لإعلان تلك الأحكام؛ لتشارك في البناء العالمي العادل الكامل، ضمن الحياة الجديدة بعد الظهور.
الثاني: أحكام تالفة ضائعة بفعل الأعداء أو الزمن، فقد تلف كمّ من الكتب التي تتضمن أخباراً كثيرة من السنّة الشريفة والفقه الإسلامي، نتيجة للحروب التي حدثت في المنطقة الإسلامية، كالحروب الصليبيّة، وغزوات التتار والمغول وغيرها، وضاع عدد ضخم من الكتب، ممّا أحدث فراغاً في التراث الإسلامي، واحتجاب عدد من الأحكام الإسلاميّة عنها، والإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو العارف الوحيد بهذه الأحكام عن طريق الرواية عن آبائه، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، عن الله عزّ وجلّ، فيعمل على تفعيلها والعمل بها بين الناس.
الثالث: أنّ كثيراً من الأحكام الواقعيّة غائبة عن الفقهاء، مما اضطرّهم إلى الاجتهاد، والتمسّك بالقواعد العامّة التي تشمل بعمومها تلك الأحكام، وهي أحكام ظاهرية، وظيفتها تحديد الوظيفة الشرعيّة للمكلّف عند جهله بالحكم الواقعي الأصلي، وبما أنّ الأحكام الظاهريّة تعيش في مساحة الجهل بالحكم الواقعي عند الله تعالى، ذلك الجهل الناشئ من البعد عن عصر التشريع.
والإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو المطّلع على الحكم الإسلامي الواقعي بإذنه تعالى، وسوف يعلن ويعمل في الناس بالأحكام الواقعية الإسلاميّة أنفسها، ويُظهر من الدين ما لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) موجوداً لحكم به.
الرابع: أحكام لم تطبّق بالرغم من ثبوتها؛ لتقية، أو لأسباب غيرها، حالت دون وصول بعض الأحكام الإسلاميّة إلى مستوى التطبيق في عصر ما قبل الظهور، فسوف يقوم الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بنفسه بتطبيق الأحكام العامّة، فيؤسّس الدولة العالميّة العادلة الكاملة، ويقوم بإدارة شؤونها.
النتيجة أن هذه الأقسام من الأحكام في عصر الغيبة سوف يكون بوسع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) حل جميع الأمور التي أثّرت في غيابها وعدم تطبيقها، بالتالي سوف تظهر إلى الناس وكأنها أحكاماً جديدة، فَعبّرت الرواية انه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) سوف يأتي بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد.
المصدر: مجلة اليقين العدد (33)