هل يرتكب المعصوم الذنوب؟

بعد أن قامت الأدلة العقلية على ضرورة وجود إمام يحفظ الشريعة ويُبلّغ الدين إلى أهله، وأن من مقتضيات الإمامة الحافظة للشريعة العصمة عن كل نقص يؤثر على الدور والمهام والمسؤوليات، فإن من وهم العقول أن تنسب الخطأ وما يخالف الحكمة لشخص الإمام، ومن الجهل وسوء التفكير أن ينسب إليه مخالفة الشريعة وجواز ارتكاب الذنوب والمعاصي.

هذا ما وقع به البعض حينما سمع كلام الأئمة (عليهم السلام) في دعائهم وتضرعهم لله تعالى، مما ورد عنهم في كتب الأدعية من صورة اعترافهم بأنهم يتحدثون عن ذنوبهم، ويعترفون بتقصيرهم، ويطلبون الغفران من الله عزّ وجلّ، فراح يسأل: کيف ننسبهم إلى العصمة، وهم ينوحون خشية ً من عذاب الله يوم القيامة وجحيم الآخرة؟ ويظهر من هذا البعض أنه يجهل معنى العصمة أو يتجاهله، وبالتالي يتجاهل كل ما يتعلق بها من المفاهيم.

فإن من أهم مقتضيات العصمة عدم ارتكاب الذنوب، جاء عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (الإِمامُ: المُطَهَّرُ مِنَ الذُّنوبِ، وَالمُبَرَّأُ عَنِ العُيوبِ، المَخصوصُ بِالعِلمِ، المَوسومُ بِالحِلمِ، نِظامُ الدّينِ)[1].

وعن حسين الأشقر قال: قلت لهشام بن الحکم: ما معنى قولکم: إن الإمام لا يکون إلا معصوماً؟ قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال: (المَعصومُ هُوَ المُمتَنِعُ بِالله ِ مِن جَميعِ مَحارِمِ اللهِ، وقالَ الله ُ تَبارَكَ وتَعالى: (... وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِالله فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[2])[3]

وعن الصادق (عليه السلام) قال: (الأنبياء وأوصياؤهم لا ذنوب لهم، لأنهم معصومون مطهّرون)[4].

وعن الإمام علي (عليه السلام) قال: لا يُقاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مِنْ هذِهِ الْأمَّةِ احَدٌ... هُمْ أَساسُ الدّينِ وعِمادُ الْيَقينِ، الَيْهِمْ يَفيءُ الغالي،‌وبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالي،‌وَلَهُمْ خَصائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ، وَفيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِراثَةُ)[5] فلا يقاس المذنبون بهم (عليهم السلام).

وعن الباقر (عليه السلام) في جواب علي عن سؤال سأله جابر: (قرن الله عزوجل طاعتهم بطاعته فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ...)[6]، وهم المعصومون المطهّرون الذين لا يذنبون ولا يعصون، وهم المؤيدون الموفّقون المسدّدون)[7].

لا يبقي بعد إثبات عصمة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في ضوء الأدلّة العقلية والقرآن الکريم والأحاديث الشريفة سوى تأويل هذه الأدعية وفهمها في أطر معينة؛ من خلال ما يلي:

أولاً: إن الأئمة (عليهم السلام) يعيشون حالة من الشهود الکامل؛ فهم قد وقفوا على قدرة الله وعظمته، کما أنهم يشعرون بفقرهم الذاتي في کلِّ شيء وأنهم مقصّرون أمام نِعَمِ الله عزوجل، فکلّ شيء منه سبحانه، فمهما عبدوا الله سبحانه ومهما تضرعوا إليه فإنهم يشعرون أن له عليهم حقاً.

ثانياً: إن الأئمة (عليهم السلام) يسيرون في طريق الکمال، ومدارج التکامل، فکلّما ارتقوا درجة اشتدت نصاعة نفوسهم، فيشعرون بتقصيرهم، ولا يرضون على عباداتهم وطاعاتهم فيما مضى، لأنّها في نظرهم لا تليق بشأنه تعالى، فهم في حياء من الله وشعور بالذنب يدفعهم إلى طلب المغفرة.

ثالثاً: إن الأئمة جعلوا من الدعـاء وسيلة لإرشاد الأُمّة خاصّة في الفترات الحرجة حيث سيوف الجلّادين تکاد تهوي على أعناقهم وأعناق شيعتهم، فکانوا بدعائهم ينشرون عقائد ومعارف الإسلام، ويرشدون المسلمين إلى جادّة الصواب وهذا ما نراه جليّا ً في تراث إمامنا زين العابدين (عليه السلام).

والأئمة المعصومون (عليهم السلام) هم معلمو الإنسانية، فکانوا يهدفون من دعائهم تعليم الناس أدب الدعاء ولغة التضرّع إلى بارئ الإنسان وواهب الحياة، ومن يقرأ أدعية المعصومين (عليهم السلام) يجدها قريبة إلى النفس مؤثّرة في القلب؛ لأنها تنبع من طبيعة الإنسان المحتاج الفقير الغافل الذي يخاف سوء العاقبة ويرجو رحمة ربّه.

إذاً من المناسب ألا يهمل الإنسان تفكيره، ويطلق العنان لتصوراته بحيث يتأثّر ويصدّق كل ما يخطر إلى ذهنه من المسائل، خصوصاً تلك المرتبطة بالجانب العقائدي، بل يميل مع الدليل والبرهان، ويرجع إلى إرشادات العقل والنقل، ولا يتجه وجهةً إلا عن حجة وبيان.

مجلة ولاء الشباب العدد (45)

 


[1] أصول الکافي: ج1، ص200.

[2] آل عمران: 101.

[3] بحار الأنوار: ج25، ص194.

[4] بحار الأنوار: ج25ص199.

[5] نهج البلاغة: الخطبة 2.

[6]النساء: 59.

[7]بحار الأنوار: ج23ص19.