في هذا الزمن الذي تكثر فيه الدعاوى الباطلة في العقائد الإسلامية نحتاج إلى ضابطة يتم عن طريقها تشخيص الصحيح من الخطأ، وهذه الضابطة هي المعرفة الصحيحة المعتبرة ليتضح المسار المتوافق مع منهج أهل البيت(عليهم السلام) في مجال العقيدة، وتلك المعرفة ينبغي أن تقوم على الأسس الآتية:
1. أن تكون المعرفة بالعقيدة قطعية بمعنى اليقين والجزم بها، فلا اعتبار بالمعارف الظنية أو الشكية ولا يعتمد عليها، كما أكّد هذه الضابطة القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)[1]
وفي ذمّ الذين يتبعون الظن أيضاً قوله تعالى: (وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)[2].
وقوله تعالى: (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)[3].
وعليه فكل معرفة في مجال العقيدة لا تستند إلى صفة العلم القطعي مرفوضة في المنهج الإسلامي، ولذلك جاءت كثيرٌ من الآيات الكريمة تنتقد وتذم المقتفين سنن الآباء والأجداد بلا دليل قطعي واضح، وبلا علم بصحة أدلة الآباء والأجداد، منها قول الله عز وجل: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ)[4].
وقوله عز وجل: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ)[5].
و هكذا فإنّ الإسلام يرفض المنطق القائم على تقديس مذهب الآباء والأجداد ـ لمحض أنهم آباء وأجداد ـ ولا يقرّ بنتائجه، لأن التقديس والإتّباع بهذه الطريقة ينفي دور العقل الإنساني، ويصادر الموضوعية في معالجة قضايا الإنسان، والغريب أن هذا المنطق الجاهلي قائم في نفوس الكثير حتى اليوم، ويظهر تارة على شكل عادات وتقاليد خرافية، وتارة باسم الحفاظ على مآثر القوم أو الوطن، لذا كان ذلك سبباً من أسباب انتقال الخرافات من جيل لآخر، ومن الواضح أنه ليس المقصود من كلامنا هجرة تقاليد الآباء وعاداتهم كلّها، بل الصحيح هو تحليل عاداتهم وأخذ ما انسجم منها مع العقل والشرع الحنيف، وطرح ما يُنافي ذلك منها.
إذن فالعادات والتقاليد المنسجمة مع العقل والشرع الحنيف يمكن عَدُّها تراثاً واتخاذها سلوكاً يستحق الحفظ، أما الانقياد التام والتسليم الأعمى لطريقة الآباء والأجداد اعتقاداً وسلوكاً فهو تِيهٌ وضَلالٌ.
2. أن تكون المعرفة نابعة من مناشئها العقلائية كالمعرفة الحسيّة أو العقلية، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم: (وَالله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[6].
فالسمع والبصر يمثلان الأدوات الحسيّة، كما أن الفؤاد هو كناية عن العقل والإدراكات الفكرية الصحيحة، فالحسّ والعقل هما المعتمدان من بين أدوات المعرفة؛ لأنهما أكثر صواباً وأصحّ نتيجة.
وبعبارة أخرى فإن عالم الحس أحد أدوات المعرفة فإنّ معرفتنا بالعالم الخارجي لا تحصل بصورة مباشرة وإنما تتمّ عن طريق السمع والبصر، وذلك بعد التقاط المعلومات الصوتية والتصويرية وإرسالها إلى عقولنا بغية فهمها وتحليلها والاستنتاج منها، فتحصل حينئذٍ معرفة من منشأ عقلائي.
مجلة ولاء الشباب العدد (36)