ذهبت لدائرة الجوازات لطلب جواز سفر لي، وبعد إكمال المعاملة قال لي الموظف: سوف تستلم الجواز بعد ساعتين إن شاء الله، وعليك بالانتظار.
سلّمت على شخص كان جالساً قرب كرسي فارغ وجلست أنتظر.
فقال لي الرجل: سوف تحصل على جوازك وتنسى عناءك إن شاء الله.
فقلت: إن شاء الله.
فقال: الى اين تريد السفر؟
قلت: لأي بلد أجنبي، للبحث عن حياة أفضل.
فقال: بما إنك مسلم كيف تنوي العيش في بلد يصعب فيه على الشخص الحفاظ على دينه وعبادته وتوجهاته، فمجتمع الغرب بصورة عامة لا يساعد على ذلك، فكثير من المحاذير عندهم مباحة ولا يعدونها من الأمور غير الصحيحة.
قلت: الرقيب عليّ هو الله تعالى في ذلك.
قال: بارك الله فيك، لكن العيش هناك ليس بسهولة الكلام فالواقع غير ما تتصور، فسوف تشعر في تلك الدول بغربة بعد تغيّر الأجواء التي نشأت عليها وتربيت فيها، فلا صوت قرآن يسمع، ولا صوت أذان يعلو، ولا زيارة للمشاهد المقدسة وأجوائها الروحية، أضافة أن مظاهر الحياة العادية ما فيها من إثارة، تجر المكلف إلى الحرام عادة، حتى لو لم يكن راغباً بذلك.
فقلت: ماذا تقصد؟
فقال: اختصر الكلام لك برواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) تصعّب الأمر عليك، فعن عبيد بن زرارة قال: سألت الإمام عن الكبائر فقال (عليه السلام): ((هُنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عليه السلام سَبْعٌ: الْكُفْرُ بِاللّهِ، وَ قَتْلُ النَّفْسِ، وَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَ أَكْلُ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيِّنَةِ، وَ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْماً، وَ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَ التَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ». قال: قُلْتُ: فَهذَا أَكْبَرُ الْمَعَاصِي؟ قال: « نَعَمْ»)[1].
قلت: عجباً، الهجرة تعد من الكبائر؟
قال: لا، التعرب بعد الهجرة من الكبائر.
قلت: ما معنى التعرب بعد الهجرة؟
قال: هي الإقامة في البلاد التي ينقص بها دين المكلف المسلم، وعدم المقدرة على أداء ما وجب عليه من تكاليف شرعية كلّاً أو بعضاً، إلا في حالة الضرورة لإنقاذ نفسه من قتل مثلاً، عندها يجوز له السفر بمقدار رفع الضرر.
قلت: إذن فيجوز سفر المؤمن إلى البلدان غير الإسلامية، إذا جزم أو اطمأنَّ بأن سفره إليها لا يؤثر سلباً على دينه، ولم تشكّل عائقاً عن قيامه بالتزاماته الشرعية؟
قال: ليس هو فقط بل حتى بالنسبة لعائلته حاضراً ومستقبلاً، وبغضّ النظر عن سبب سفره سواء أكان السفر للسياحة أم للتجارة أم للدراسة أم للإقامة المؤقتة أم الدائمة، نعم لو جزمت الزوجة بأن سفرها مع زوجها يستلزم نقصاناً في دينها حرم عليها السفر معه، وكذا الأولاد البالغون بنون أو بنات، وتيقنوا بأن سفرهم مع أبيهم أو أمهم يستلزم نقصاناً في دينهم حرم عليهم السفر معهم.
قلت: بمناسبة ذلك هل يجب على المكلف المهاجر لدول الغرب الحرص على لغة أولاده العربية؟
قال: فيه تفصيل وعلى العموم إنما يجب أن يعلمهم منها مقدار ما يحتاجونه إليه في أداء فرائضهم الدينية.
فقلت: وهل لموافقة الوالدين مدخليّة أيضاً؟
قال: نعم، فلا يجوز للابن مخالفة والديه إذا منعاه من السفر، وكان سفره يلحق أذى بهما شفقة منهما عليه، من دون وجود مصلحة شرعية في السفر أهم من حرمة إيذائهما.
فقلت: وأما لو تهيأ لمكلف ما، بلد إسلامي يستطيع السكنى به مع بعض الصعوبات الاقتصادية قياساً بوضعه في دول الغرب فهل يجب عليه السفر لذلك البلد الإسلامي وترك السكنى بالدول الغربية؟
قال: لا يجب، إلا مع عدم الأمن على نفسه من نقصان دينه جراء البقاء في المهجر.
قلت: لو استطاع المكلف أن يدعو غير المسلمين للإسلام، أو أن يزيد في تثبيت دين
المسلمين في البلدان غير الإسلامية من دون خوف من النقصان في دينه، فهل يجب عليه التبليغ؟
قال: نعم، على فرض الكفاية عليه وعلى غيره.
قلت: ولمعلوماتك الغزيرة في الدين أسأل سؤال ولو أن له علاقة من بعيد بكلامنا؟
قال تفضل.
قلت: هل يحق للمكلف شراء جواز سفر غيره، أو تغيير صورة الجواز كما فعلت أنا طلبا للجوء في بلاد الغرب لأضمن الدخول لبلد ما، ثم أقول الحقيقة بعد ذلك للمسؤولين في ذلك البلد؟
قال: لا ترخيص في ذلك.
عندها نادى الموظف بإسمي لأجل استلام الجواز فاستأذنت من صاحبي وشكرته على كلامه ونصائحه.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (47)