الوديعة

هممت وعائلتي بالسفر خارج العراق لفترة من الزمن لغرض العلاج، وكان عندي بعض طيور الزينة ـ الكناري ـ فأستقر الرأي أن أودعها عند جيراني لحين عودتنا.

فأخذتها وذهبت لجاري سائلا إياه أن يعتني بها في أثناء غيابنا ريثما نعود، فتردد كثيراً حتى وافق في النهاية، وبعد موافقته سألته: لم تردّدتَ في إجابة طلبي؟

فقال جاري: إنها أمانة، وخفت من التقصير تجاهها، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[1]. وأخاف أن لا أرعاها.

فقلت له: لا تعتبرها أمانة، وتصرّف بها كيفما شئت وكأنها ملك لك.

قال: لا؛ أخالفك في هذا، فأخي قد استلم يوماً وديعة من شخص ما وتناقشنا حولها، فتوضح لي عنها أحكاماً صارمة لو اطلع عليها أي شخص لما قبل أي مستودع استيداع شيء عنده.

فقلت: هلا وضحت لي ما هي أحكام الوديعة ولو على عجالة؟ لأني قد استودعت قريبا لي بعض الأعيان المهمة.

فقال: لها أحكاما كثيرة سأوجز بعضا منها، فالوديعة هي: جعل صيانة عين وحفظها على عهدة الغير.

فالعين المودعة تسمى (الوَدِيعة)، ومستقبلها يسمى (وَدعي أو مُستودَع) وصاحب العين يسمى (مُودِع).

فقلت: وكيف يكون اللفظ فيها؟

فقال: تحصل الوديعة بإيجاب من المودع بلفظ أو فعل مفهم لمعناها، وبقبول من الودعي دال على التزامه بالحفظ والصيانة. فلو طلبت مني استيداع عين عندي ولم أوافق على ذلك، ولم أتسلمها منك، ومع ذلك تركتها عندي ومضيت وتلفت العين لم أكن ضامناً، وإن كان الأولى عندها أن أحفظها بقدر الإمكان.

فقلت: وإن خجل الشخص من الودعي وهو لا يتمكن من حفظ الوديعة؟

فقال: لا يجوز له قبولها على الأقوى، ولو تسلّمها كان ضامناً.

فقلت: ومع علم المودع بحاله أيكون المستودع ضامنا؟

فقال: يجوز للمستودع القبول ولا ضمان عليه.

فقلت: هل الوديعة من العقود الجائزة أو اللازمة؟

فقال: من العقود الجائزة فيجوز لكل منهما فسخها متى شاء.

فقلت: فلو فسخ الودعي ما يجب عليه حينئذ؟

فقال: وجب عليه أن يوصل المال فورا إلى صاحبه.

فقلت: وإن لم يوصل المال ماذا يترتب عليه؟

فقال: إذا لم يوصله من دون عذر شرعي وتلف كان ضامناً.

فقلت: لم تقل لي ماذا يشترط في المودع والودعي؟

فقال: البلوغ والعقل والاختيار والقصد.

فقلت: كيف يجب على الودعي حفظ الوديعة؟

فقال: بما جرت العادة بحفظها به وبما يناسبها.

 فقلت: نفرض ان الوديعة تلفت في يد الودعي هل يكون ضامناً؟

فقال: إن كان بدون تعدٍّ منه ولا تفريط لم يضمنها.

فقلت: ولو كانت الوديعة دابة، ما يجب على الودعي فيها؟

قال: يجب عليه سقيها وعلفها بالمقدار المتعارف، ولو لم يأمره المالك بذلك.

فقلت: وإذا مات المالك المودع ما يكون الحال حينئذ؟

قال: بطلت الوديعة.

قلت: ومتى يجب رد الوديعة؟

قال: عند المطالبة بها من قبل المودع، أو عند موت المودع أو الودعي، أو عند فسخ عقدها من أحد الطرفين.

فقلت: وإذا أودع سارق ما سرقه هل يجب ردها له عند المطالبة بها؟

قال: لا يجوز له رده عليه مع الامكان، بل يكون أمانة شرعية في يد الودعي، فيجب ايصاله إلى صاحبه أو اعلامه به.

فقلت: هل يجوز للودعي أن يسافر ويبقي الوديعة محروزة عند أهله وعياله؟

قال: إذا لم يتوقف حفظها على حضوره.

فقلت: ما معنى كونها مضمونة بالتفريط والتعدي؟

قال: أي كونه ضامناً لبدلها.

قلت: لو اختلفا الودعي والمودع في رد الوديعة فقول من يقدم؟

قال: الأظهر قول المالك مع يمينه.

فقلت: وإذا أنكر الودعي الوديعة، ثم أقر بها - عند إقامة المالك البينة عليها أو بدون ذلك - ولكنه ادعى تلفها فهل تقبل دعواه؟

قال: لم تقبل دعواه حتى بيمينه، فإن ادعى أنها تلفت قبل انكاره من غير تعدٍّ ولا تفريط وكذّبه المالك كلف الودعي بإقامته البينة على دعواه فإن أقامها فهو، وإلا توجه الحلف على المالك فإذا حلف كلف الودعي بتسليم العين ما لم يتبين تلفها، وأما لو ادعى تلفها بعد الانكار فللمالك أن يأخذ منه بدلها، وله أن يطالبه بالعين، وحينئذ فإن أقام البينة على تلفها حكم بضمانه بدلها.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (65)

 


[1] سورة المؤمنون: الآية 8.