العِلاقَةُ بينَ التَّوْحيدِ والإِمِامةِ
قد يسأل البعض عن علاقة الإمامة بالتوحيد، وهل من الممكن أن يوحد الشخصُ الباريَ عز وجل من دون أن يعتقد بإمامة أهل البيت (عليهم السلام)، أو أن هذا غير ممكن؟ في هذه المقالة نحاول أن نجيب عن هذا التساؤل ونسلط الكلام عن هذا الموضوع.
مقدّمة:
إن توحيد الله عز وجل نال إجماعاً بشرياً في بداية هذه الحياة، حيث بدأت الحياة بأبينا آدم وأمنا حواء (عليه السلام) وكلاهما موحدان، وستكونسمة الجمع البشري هي التوحيد حسب النصوص: (حَتَّى لاَ يَبْقَى فِي الْمَشَارِقِ والْمَغَارِبِ أَحَدٌ إِلاَّ وَحَّدَ اللهِ)[1].
وهذا الإجماع خُرق في الوسط بين البداية والنهاية حيث ظهر المشرك والملحد وغيرهما، والذي يهمنا هنا هو معرفة طبيعة العلاقة بين التوحيد والإمامة، وما الذي تصنعه الإمامة في إعادة البشرية إلى إجماعها بعد الفراغ عن واحدة من أهم أدوار الإمام (عليه السلام)، وهو نشر عقيدة التوحيد، فالنبوة والإمامة هي وساطة لأجل نقل التوحيد للناس وفي هذا المجال نذكر شاهدين من الروايات أحدهما حديث السلسلة الذهبية المروي عن الإمام الرضا (عليه السلام)، والأخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وفي مطالعة مثل هكذا روايات نجد أنها تربط بين الإمامة والتوحيد بعلاقة عضوية تكون فيه العلاقة مع الإمامة مظهرا من مظاهر الإخلاص في التوحيد ومعبرا عنه واليك نص الرواية:
عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، قال: (كُنتُ مَعَ الرِّضا (عليه السلام) لَمّا دَخَلَ نَيسابورَ وهُوَ راكِبٌ بَغلَةً شَهباءَ، وقَد خَرَجَ عُلَماءُ نَيسابورَ فِي استِقبالِهِ ، فَلَمّا سارَ إلَى المرتعة تَعَلَّقوا بِلِجامِ بَغلَتِهِ وقالوا: يَابنَ رَسولِ اللهِ، حَدِّثنا بِحَقِّ آبائِكَ الطّاهِرينَ، حَدِّثنا عَن آبائِكَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِم أجمَعينَ، فَأَخرَجَ رَأسَهُ مِنَ الهَودَجِ وعَلَيهِ مِطرفُ خَزٍّ، فَقالَ: حَدَّثَني أبي موسَى بنُ جَعفَرٍ، عَن أبيهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عن أبيهِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَن أبيهِ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ، عَن أبيهِ الحُسَينِ سَيِّدِ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ، عَن أبيهِ أميرِ المُؤمِنينَ (عليهم السلام) عَن رَسولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) قالَ: أَخبَرَني جَبرَئيلُ الرُّوحُ الأَمينُ، عَنِ اللهِ تَقَدَّسَت أَسْماؤُهُ وجَلَّ وَجهُهُ قالَ: إِنّي أَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي، عِبادي فَاعبُدوني، وَليَعْلَم مَن لَقِيَني مِنكُم بِشَهادَةِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ مُخْلِصاً بِها أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ حِصْني، وَمَن دَخَلَ حِصْني أَمِنَ عَذابي، قالوا : يَابنَ رَسولِ اللهِ، وما إِخلاصُ الشَّهادَةِ للهِ؟ قالَ: طاعَةُ اللِه ورَسولِهِ ووِلايَةُ أَهلِ بَيتِهِ (عليهم السلام))[2]، هذا الحديث الشريف المعروف بحديث سلسلة الذهب،فإنه يبيّن العلاقة الوثيقة بين التوحيد والإمامة، ويؤكد أن طريق النجاة الوحيد هو الاعتقاد بالتوحيد الذي لا يتم إلّا بالإمامة.
في هذا الحديث نص الإمام (عليه السلام) على أنّ الاعتقاد بالولاية أحد شروط الدخول في حصن التوحيد، ومن دون هذا الاعتقاد يستحيل الدخول إلى حصن التوحيد، فالإمام الرضا (عليه السلام) يبين أن الالتزام بالدين هو لون من ألوان التوحيد، يرجع إلى تصديق العمل للإيمان، ولكنه يذكر قيدا احترازيا مهما هو التولي لأهل البيت (عليه السلام)، فالتولي لهم ترجمة للإخلاص في كلمة التوحيد.
الرواية الثانية: عن الإمام الصادق عن أبيه (عليهما السلام) عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: جاءَ إعرابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله)، فَقالَ: يا رَسولَ اللِه، هَل لِلجَنَّةِ مِن ثَمَنٍ؟ قالَ: (نَعَم)، قالَ: ما ثَمَنُها؟ قالَ: (لا إلهَ إلَا الله)، يَقولُهَا العَبدُ الصّالِحُ مُخلِصاً بِها،قالَ: وما إخلاصُها؟ قالَ: العَمَلُ بِما بُعِثتُ بِهِ في حَقِّهِ، وحُبُّ أهلِ بَيتي، قالَ: وحُبُّ أهلِ بَيتِكِ لَمِن حَقِّها؟ قالَ: أَجَل، إِنَّ حُبَّهُم لَأَعظَمُ حَقِّها)[3].
ففي هذا الحديث جُعل حب أهل البيت (ع) من أعظم حقوق كلمة التوحيد، وإن الإخلاص في التوحيد لايتم إلّا بهم (صلوات الله عليهم).