حينما يتجول الإنسان في الأسواق التي تباع فيها الأزياء يندهش من نوع الملابس وكيفية عرضها بشكل لا يمت إلى موروثنا الحضاري والديني بصلة، والأدهى من ذلك والأمرّ تجد الناس قد تعودوا على ذلك، فلا يستنكر مستنكر، وكأن شيئاً لم يكن، ومما يُرصَد في هذا المجال من مخالفات لمشاعر المتدينين - وهم أغلب الناس - ظاهرة الدُمى التي تُعرض عليها الملابس قد انتشرت بشكل كبير في الأسواق، وتُعرض عليها الملابس بشكل طبيعي، من دون ملاحظة كيفية العرض ومكانه الملائم بحسب نوعية المعروض، فعندما تُعرض عليها الملابس التي تلبسها المرأة في بيتها أو عند الخروج من البيت من دون حجاب - وهي في الغالب ملابس مستوردة في تصميمها من البلاد الأخرى التي تعتني بإظهار مفاتن المرأة - فهو يعني نشر صور النساء غير المحجبات بملابس ضيقة تنافي تعاليم الدين التي أرادت من تشريع الحجاب حصر هذه المناظر بين الزوجين فقط، خصوصاً إذا لاحظنا أن الدمى التي تُكسَى هذه الملابس هي مشابهة جداً لجسد المرأة والرجل بشكل كبير وقد روعي فيها محاكاة مناطق الشهوة في كلا الجنسين بشكل كبير.
العرض أمام المارة:
الأمر يهون لو كان عرض هذه الدمى داخل المحلات، وبمكان خاص لا يراه إلا من يريد الشراء، فإن الضرر أقل، أما أن تُعرض أمام المارة ويراها كل أحد فهذا أمر غير مقبول شرعياً، لا سيّما إذا لا حظنا في بعض الأحيان ترك هذه الدمى عارية من الملابس تماماً، بشكل يحاكي تماماً جسد الرجل والمرأة العاريين، فأسواقنا - للأسف - لا تمت إلى واقعنا الديني والحضاري بصلة، بل هي منسلخة عنه تماماً.
ومن الناحية الأخرى أي: من ناحية نوع المعروض، نجد تطور هذه الظاهرة، وانتشار عرض الملابس الداخلية لكلا الجنسين أمام أنظار الناس بشكل علني، وهي معبأة بأكياس تحمل صورا حقيقية لرجال يلبسونها فقط أو نساء تلبسها فقط، وأوكّد على كلمة (فقط) مما يعني أن باقي الجسد عارٍ من الملابس، فهو تسويل شيطاني؛ لنشر الفاحشة في الأسواق بأسماء وتبريرات مختلفة، فتعرض هذه الملابس بصورها هذه بشكل علني في الأسواق من دون التفكير ولو للحظة في ما يثيره هذا المنظر في نفوس الناس من مشاعر استياء واستهجان لهذا التصرف الخادش للحياء، والأدهى من ذلك ما يعنيه هذا الفعل من نشر الفحشاء، وما يجره ذلك من تطبيع الفساد بين الناس، والاستهانة بالذنوب وتصغيرها، وهي أمور بالغة الخطورة في المجتمع، وتعد من الذنوب الاجتماعية التي تجر الويلات على المجتمعات الإنسانية، وقد تسربت هذه العادات - للأسف- من المجتمعات الأخرى التي لا تعير للحياء والعفة أي وزن، ونقلها التجار إلينا بشكل غير مدروس، من دون مراعاة الخصوصيات الدينية لمجتمعنا، وما يلائمه وما لا يلائمه من بضاعة، ومن دون حميّة دينية يبدونها في هذا المجال غيرةً على دينهم وشرفهم.
منْ يبيع...؟
وما يثير الاستياء أكثر أنك تجد من يبيع ملابس النساء رجال في الغالب ومن يشتري هم من النساء في الغالب، وفي حوار الترغيب ما لا يخفى من ألفاظ خادشة للحياء لا ينبغي أن تكون بين الطرفين، وقد نهى الإسلام عن حديث المرأة مع الرجل الأجنبي بما يزيد عن خمس كلمات في الأمور العامة، من غير إثارة للشهوة أو غير ذلك، فعن الإمام الصادق، عن آبائه(عليهم السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) - في حديث المناهي - قال: «ونهي أن تتكلم المرأة عند غير زوجها وغير ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات مما لابد لها منه»[1]، فكيف يسوغ والحال هذه أن تقف المرأة لتشتري الملابس الداخلية من رجل، فيعرف عنها مقاسها لهذا الجزء من جسمها أو ذاك، وغير ذلك من المصائب التي يأباها الرجل الغيور، ونترفع نحن عن ذكرها، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وعلى هذا الأساس تندرج هذه الظاهرة في جملة الذنوب الاجتماعية التي لها آثار خطيرة على المجتمع عند السكوت عليها.
ما هو العلاج لهذه الظاهرة المنتشرة في أسواقنا، وكيف نوفق بين الكسب والحشمة، هذا ما سنتحدث عنه لاحقاً.
العلاج لهذه الظاهرة:
لا بدّ في كل مرض خطير يصيب الفرد أو المجتمع -إذا استحكم في نفوس أبنائه- من علاج صحيح كفيل بقلع جذوره وضمان عدم العود إليه، شريطة أن يكون بطرق وخطوات صحيحة ومدروسة؛ لكي لا ينقلب إلى خطر أكبر من خطر نفس المرض الاجتماعي السابق، فالأمراض الاجتماعية كما أنها تتفشى في المجتمع ببطيء وعند تهيؤ الأرضية المناسبة لها، كذلك زوالها يحتاج إلى تروٍ وتعقل في علاجها، وصبر على ظهور النتائج، وعدم الاستعجال، وأن تكون بخطوات مدروسة، لكي يتعافى المجتمع شيئاً فشياً منها، ومن هذه الخطوات في علاج هذه الأمراض:
1- أن نغرس في النفوس أنّ قضية الستر والحشمة والحياء هي دين وفطرة، وليست قضية مأخوذة من التقاليد والعادات تتغير بحسب الوقت والزمان والمكان، ولا مانع بعد ذلك من تغير الأشكال والألوان مع المحافظة على هذه الثوابت.
2- أنْ نكثّف التوعية والبرامج التي توجِّه المجتمع بالاتجاه الصحيح، فما المانع أن نقوم بجولات مكثفة في الأسواق؛ فيُعطَى أصحاب المحلات بعض الارشادات، وبيان بعض الأحكام التي هي في معرض ابتلائهم، وتنبيههم إلى ما يجوز وما لا يجوز من زاوية النظر الشرعية، ومخالفة الفطرة والدين والعرف، وكذلك توعية وتثقيف النساء دينياً وأخلاقياً عبر الدروس والمحاضرات وما أشبه ذلك؛ ببيان هذه القضايا، فلا تُترك النساء بين جهل وبين هوى، فإن ذلك يؤدي إلى عواقب وخيمة.
3- تثقيف أصحاب المحلات لجعل مساحة خاصة في المحل بعيدة عن أعين المارة، لبيع ما يخص النساء وتشرف عليه امرأة، فما المانع من أن يقف في المحل الزوج وزوجته لبيع البضاعة، كلٌ للصنف الملائم له، وحسب التجربة، فإن هذا النوع من المحلات تحظى بثقة النساء والرجال على حد سواء، فيزداد الإقبال عليها.
4- عدم عرض الملابس الداخلية وما يخدش الحياء من ملابس النساء أمام المارة، وبدل ذلك يكتب لافتة تبين وجود هذا النوع من الملابس، وتعلق هذه اللافتة في المتجر مثلاً، لتفادي نشر صور الفساد.
5- لابد لكل شخص أن يتحمّل مسؤوليته تجاه دينه ومجتمعه، كل من ناحيته وبحسب ظروفه وقدر طاقاته، وعلى هذا الأساس ومن قبيل المثال لا بد على التجار من إبلاغ الشركات المصدرة بضرورة مراعاة خصوصيات المجتمعات الإسلامية في تصنيع أغلفة الملابس، فلا يوضع عليها صور غير لائقة؛ لترويج بضاعتهم، ويمكن الاستعاضة عن الصورة بالرسم التخطيطي المجرد المبين لتفاصيل المنتج، وبذلك يكسبون احترام الأقوام الأخرى، لأنهم ملتزمون بتعاليم دينهم، وهكذا الحال بالنسبة للدمى التي تُعرض عليها الملابس، فلابد أن يتّجه الجميع ممن له تأثير في هذا المجال للضغط على المصنّعين في إيجاد بدائل لما هو موجود لا تثير مشاعر المسلمين، فالإسلام بالنسبة لكل فرد منا ليس فقط عقيدة وأحكام يتعبّد بها، بل هو هوية وانتماء، وشرف وعزّ لابد أن نحافظ عليه ونبين للآخرين مدى اعتزازنا به، ليحترموا بعد ذلك عقيدتنا وديننا.
ختاماً:
إن قضية الملابس وستر العورات قضية لا يمكن بحال من الأحوال أن تنفصل عن الإيمان والشريعة من حيث المصدر الذي يأخذ عنه الإنسان تشريعاته، ومن حيث التزام الإنسان أمرَ الله فيما يلبس، والمحافظة على العفاف والحشمة والصيانة، وهذا يكون سدّاً بإذن الله عزّ وجلّ لأكبر أبواب الفواحش والموبقات، وحفظاً للمجتمع من الانحلال، فهل يعي ذلك المغالطون الذين يقولون: ما شأن الدين والأزياء وملابس النساء؟! وما شأن الدين وعالم التجميل للمرأة؟!