إصلاح ذات البين

إنّ إصلاح ذات البَيْن وإيجاد التفاهم وقلع الكدر والبغضاء من صدور المسلمين، وتبديل كل ذلك بالمحبة، يُعَد من أهم الأغراض الإسلامية.

وكلمة (ذات) تعني الخلقة والبنية وأساس الشيء، والبَيْن يعني حالة الارتباط والعلاقة بيْن شخصين أو شيئين. فبناء على هذا فإن إصلاح ذات البَيْن يعني إصلاح أساس الارتباطات، وتقوية العلاقات وتحكيمها، وإزالة عوامل التفرقة والنفاق.

وقد أولت التعاليم الإسلامية عناية فائقة لهذا الموضوع حتى عدته من أفضل العبادات.

عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لأن أصلح بين اثنين أحب إليّ من أنّ أتصدق بدينارين. قال (عليه السلام): وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام»[1].

وعن حبيب الأحول قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «صدقة يحبها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا»[2].

وعن المفضّل قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي»[3].

ولهذا نقرأ في بعض الروايات عن أبي حنيفة سابق الحاج قال: مرّ بنا المفضّل وأنا وختني (الختن: زوج بنت الرجل وزوج أخته، أو كل مَن كان من قبل المرأة) نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة ثمّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتى إذا استوثق كل واحد منّا من صاحبه، قال: أمّا إنّها ليست من مالي، ولكن أبو عبد الله (عليه السلام) أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أنّ أصلح بينهما وأفتديها من ماله، فهذا من مال أبي عبد الله (عليه السلام)[4].

والسبب في كل هذا التأكيد في المسائل الاجتماعية يتجلّى بقليل من التأمل؛ لأنّ عظمة الأُمّة وقدرتها وعزّتها لا يمكن تحقيقه إلّا في ظل التفاهم والتعاون. فإذا لم يتم إصلاح ذات البين، ولم تُطوَ الخلافات الصغيرة والمشاجرات، تنفذ جذور العداوة والبغضاء في القلوب تدريجاً، وتتحوّل الأُمّة القوية المتحدة إلى جماعات متفرّقة متناحرة، وتضعف أمام الأعداء والحوادث.

ولذلك فقد أوجبت الشريعة الإسلامية إصلاح ذات البين في بعض مراحله، وجازت الإنفاق من بيت المال لتحقق هذا الأمر، وندبت إلى ذلك في مراحله الأُخرى التي لا تتعلّق بمصير المسلمين مباشرة، وعدّت ذلك مستحباً مؤكداً.

الآثار المترتبة على إفساد ذات البيْن:

- ضياع جذوة الالتزام بالدِّين وانعدام أثره، لقوله (صلى الله عليه وآله) عن إفساد ذات البيْن «بأنّه الحالقة التي تحلق الدِّين، كما يُحلق الشعر»[5].

- تسمّم العلاقات الاجتماعية بين الناس، وانتشار الخصومة، وتفكّك روابط الأُلفة والمحبة، وبالتالي تفكك المجتمع وانهياره.

- توتر الفرد وقلقه وعدم شعوره بالطمأنينة.

- نيل غضب الله وسخطه، في الحياة الدنيا، والعذاب يوم القيامة.

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج13، ص163.

[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص209.

[3] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص209.

[4] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص209.

[5] الاعتصام، إبراهيم بن موسى الغرناطي: ج2، ص424.