نشأت زَيْنَب العقيلة(عليها السلام) وترعرعت في كنف بيت طاهر لا يُذكر فيه إِلا الله تعالى، ولا يُؤتى فيه إِلا الصالحات من الأَعمال، لأَنه بيت النبوة، ومهبط الوحي والتنزيل.
بيتٌ أَداره عليُّ بن أَبي طالب(عليه السلام) بعلمه وحكمته، وملأتْ أَنحاءه مولاتُنا فاطمة الزهراء(عليها السلام) بعطفها وحنانها، ورافقها فيه سيدا شباب أَهل الجنة(عليهما السلام)، وقد غذّتها أُمها سيّدة نساء العالمين(عليها السلام) بالعفّة، والكرامة، ومحاسن الأَخلاق والآداب، وحَفَّظتها القرآن، وعلّمتها أَحكام الإِسلام، وأَفرغت عليها أَشعة من مُثُلِها وقِيَمها، حتّى صارت صورةً صادقةً عنها، وحقٌّ للذي يتربى في مثل هذا البيت أَن يكون في أَعلى مدارج الكمال الإِنساني.
لقد قطعت شوطاً من طفولتها في بيت الشرف والكرامة والرحمة والمودة، فقد شاهدت أَباها الإِمام أَمير المؤمنين(عليه السلام) يشارك أُمّها الزهراء(عليها السلام) في شؤون البيت، ويعينها في مهامه، ولم تتردّد في أَجواء البيت أَيّةُ كلمةٍ من مرّ القول وهجرهِ، وشاهدت جدّها الرسول الأَكرم (صلى الله عليه وآله) يُغدق عليهم بفيض من تَكريمهِ، وتبجيلهِ، وعطفهِ، وحنانهِ.
لقد ظفرت حفيدة الرسول(صلى الله عليه وآله) بأَروع وأَسمى أَلوان التربية الإِسلامية، في بيت يبجّل الصغير الكبير، ويعطف الكبير على الصغير، عطفٌ واحترامٌ متبادَلٌ.
وقد شاهدت أُخوتها من أَبيها، وهم يعظّمون أَخويها الحسنَ والحسينَ(عليهما السلام)، ويقدّمون لهما آياتِ التكريم والتبجيل، وكانت هي بالذات موضع احترام أُخوتها، فكانت إِذا زارت أَخاها الإِمام الحسين(عليه السلام)
قام لها إِجلالاً وإِكباراً، وأَجلسها في مكانه، وكانت إِذا أَرادت الخروج لزيارة قبر جدّها رسول الله(صلى الله عليه وآله) خرج معها أَبوها أَمير المؤمنين (عليه السلام) وأَخواها الحسنان(عليهما السلام)، ويبادر أَمير المؤمنين(عليه السلام) بنفسهِ إِلى إِخماد ضوء القناديل التي على المرقد المعظّم، فسأله الإِمام الحسن(عليه السلام) عن ذلك، فقال له: (أَخْشَى أَنْ يَنْظُرَ أَحَدٌ إِلى شَخْصِ أُخْتِكَ الحَوْرَاء)[1].
لقد أُحيطت عقيلة بني هاشم بهالة من التعظيم والتبجيل من أَبيها وأُخوتها، فهي حفيدة النبي الأَعظم(صلى الله عليه وآله)، ووريثةُ مُثُلهِ وقيمهِ وآدابهِ.
كل ذلك يدل على أَن تلك الصّدّيقة الجليلة قد حازت على درجات عالية من الشرف والكرامة، وقد ورد في حقِّها الكثير من المناقب والفضائل.