عن سليم بن قيس الهلالي قال: عندما التقى أمير المؤمنين (عليه السلام) بأهل البصرة يوم الجمل، نادى على الزبير ـ هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد القرشي، كنيته أبو عبد الله، واُمّه صفية بنت عبد المطلب، فهو ابن عمّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وابن أخي خديجة الكبرى(عليها السلام) ـ فخرج متدرعاً مدججاً بأسلحته ومعه طلحة، وكان الإمام علي(عليه السلام) حاسر الرأس، غير متدرع بدرعه، ولا حاملاً لسيفه.
فقال أصحاب الإمام(عليه السلام): يا أمير المؤمنين لا تخرج للزبير حاسراً، وهو متأبطاً لسلاحه، ففي طبعه الغدر والخيانة!
فقال(عليه السلام) لأصحابه: إنّه ليس بقاتلي، إنّما يقتلني رجل ضئيل النسب غيلةً في غير موضع حرب، ويلُ أُمّهِ أشقى البشر.
فخرج أمير المؤمنين(عليه السلام) للزبير قائلاً له: يا أبا عبد الله، أعددت لي سلاحاً، فهل أعددت لله عذراً؟!
فقال الزبير: إنّ مردَّنا إلى الله؟
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام) لطلحة والزبير: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ)[1]، والله إنكما لتعلمان، وأولوا العلم من آل محمد(صلى الله عليه وآله)، وعائشة بنت أبي بكر، أنّ كلّ أصحاب الجمل ملعونون على لسان النبي(صلى الله عليه وآله)، وقد خاب من افترى!
فقالا له: كيف نكون ملعونين، ونحن أصحاب بدر وأهل الجنّة؟!
فقال لهما(عليه السلام): لو علمت أنكم من أهل الجنة لما أُحل لي قتالكم؟!
قال الزبير: أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل أنّه سمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: (عشرة من قريش في الجنة).
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): سمعته يُنبئ عثمان في خلافته بذلك؟
قال الزبير: فهل ترى بن نفيل قد كذب على رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): لم تخبرني ماذا قال حتى تقول انه كذب أم لم يكذب؟!
قال الزبير: إن ابن نفيل قال عشرة من قريش في الجنةِ، وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن عمرو بن نفيل.
فقال(عليه السلام): سمّيت تسعةً فمن عاشرهم؟
قال الزبير: أنت يا علي.
فقال(عليه السلام): قد أقررت أني من أهل الجنة، وأما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فأنا به من المكذبين.
فقال الزبير: أفتراه كذب على رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟
قال(عليه السلام): ما أراه قد كذب، ولكنه روى الحديث بغير أسمائكم، فأنشدك الله يا زبير، أما سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: إنك تقاتلني وأنت ظالم؟!
قال الزبير: ذكّرتني بما أنسانيه الدّهر، ورجع إلى صفوفه.
وعند رجوع الزبير قال له ولده عبد الله: لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به!
فقال الزبير: ذكرني عليّ بحديث لرسول الله(صلى الله عليه وآله) أنسانيه الدهر، فلا أحاربه أبداً، وإني لراجع وتارككم منذ اليوم.
فقال ابن الزبير عبد الله: ما أراك إلاّ جَبُنْتَ عن سيوف بني عبد المطلب، إنّها لسيوف حداد، تحملها فتية أنجاد.
فقال الزبير لولده: ويحك! أتحرّضني على حرب عليّ، وقد أقسمتُ على عدم منازلته!
فقال عبد الله بن الزبير: كفّر عن يمينك، وإلا تتحدث نساء قريش أنك جبنت، وما كنت جباناً؟!
فقام الزبير من مكانه فاصلا سنان رمحه، وحمل على عسكر الإمام علي(عليه السلام) برمح لا سنان له.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): أفسحوا المجال له، فهو مُحرَجٌ لعدم قتالي، ثمّ عاد إلى أصحابه، وحمل ثانية، وثالثة، ثمّ قال لابنه عبد الله أعنّي!
فقال عبد الله: لقد أُعذرت، ورجع الزبير نادماً واجماً[2].
مجلة اليقين، العدد (36)، الصفحة (8 - 9).