مظلومية الزهراء (عليها السلام) فيصل بين الحق والباطل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.

مَا إِنْ أَغْمَضَ رسولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) عينيهِ، وفاضَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّ أَميرِ المؤمنينَ(عليه السلام)، وَاسْتَلَبَ بَرْدَها، وَمَسَحَهُ عَلى وَجْهِهِ، وَأَعانَتْةُ مَلائِكَةُ الله عَلى غُسْلِهِ وَتَجْهِيزِهِ، وَصَلّى عَلَيْهِ، وَوارى شَخْصَهُ، حتّى تجهّز قومٌ من أعراب الجاهلية، وممن ينسبون أنفسهم على صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأعدوا العِدّة لنهب تراث آل محمد(صلى الله عليه وآله)، والاعتداء على قدسية وحرمة ذلك البيت الذي أنزل الله فيه السور والآيات، فتجلببوا بجلباب الشيطان، واستنشقوا أنفاسه، وخطوا خطواته، فوقفوا على باب دار عليٍّ والزهراءC، واستخرجوا ضغائنهم، وأفرغوا حقدهم، وعلا صوت كبيرهم من وراء الباب: (لَتَخْرُجَنَّ من الدَّارِ إلى البيعةِ أو لأُحرقنّها على مَنْ فيها)! قيلَ لهُ إِنَّ فيها فاطمةَ! فقالَ: وإنْ![1]

ولم تكن كلمة (وإن) قد خرجت مِنْ فيه خطأً أو اعتباطاً، بل كانت تستبطن شيئاً عظيماً، وتُخفي نفاقاً، وتظهر جرأةً كبيرةً، لم يسبقه بها أحدٌ قبله، ولا يتجرأها أحدٌ بعده!

وليت شعري أن الهجوم يقف عند هذا الحدِّ -وإن كان هو كافٍ بالجرأة والكفر-، بل تجاوز الهجومُ كلَّ الحدود، حتى وصل إلى ارتكاب الجناية العظمى بحقِّ الصدّيقة الكبرى(عليها السلام)، ومن دارت على معرفتها القرون الأولى، فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله)، فكسروا ضلعها، وأسقطوا جنينها! قال إبراهيم بن سيار النظّام (المتوفى سنة 231 هـ): (إن ...(فلان) ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح... (فلان): احرقوا دارها بمن فيها، وما كان بالدار غير عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين)[2].

وبعد ذلك الهجوم الهمجي بقيت أم أبيها(عليها السلام) تإنّ وتتألم من شدّة الوجع الذي سبّبَهُ ذلك الاعتداء السافر، فخَرَجَتْ مِنْ دُنْيَاهَا مَظْلُومةً مَغْشُومَةً، قَدْ مُلِئتْ دَاءً وَحَسْرَةً وَكَمَدَاً وَغُصّةً، تَشْكُو إِلى اللهِ (وفي الأصل: إليكَ) وَإِلى أَبيها مَا فُعِلَ بِها[3].

والسؤال المهم ها هنا: هل أن حادثة الدار وكسر الضلع حادثة تأريخية عابرة لا علاقة لها بالعقيدة والإيمان؟

كلا، إن حادثة الدار حادثة مفصلية بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر، وهي مقياس في الولاية لله ولرسوله وأولي الأمر، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «إنَّ الرّبَ يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ، وَيِرْضَى لِرِضَاكِ»[4]، وَقَال(صلى الله عليه وآله) أيضاً: «رِضَا فَاطِمَةَ مِنْ رِضَاي، وَسَخَطُ فَاطِمَةَ مِن سَخَطي، فَمَنْ أَحَبَّ فَاطِمَةَ ابْنَتي فَقَدْ أَحَبَني، وَمَنْ أَرْضَى فَاطِمةَ فقدْ أَرْضَاني، وَمَنْ أَسْخَطَ فَاطِمَةَ فَقَدْ أَسْخَطَني»[5].

مجلة اليقين العدد (34)

 


[1] الإمامة والسياسة، ابن قتيبة: ج١، ص ١٢.

[2] الملل والنحل، الشهرستاني: ج1، ص59، الوافي بالوفيات: ج6، ص17.

[3] المزار الكبير: 79.

[4] ميزان الاعتدال الذهبى: ج ٢، ص٧٢.

[5] الإمامة والسياسة، لابن قتيبة: ص١٤.