مسجد الشيخ الأنصاري (قدس سره) هو أحد مساجد النجف الأشرف الكبيرة، ويقع في سوق الحويش واسمه يرجع الى مؤسسه الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره) المتوفى عام 1281هـ، وقد حصلت عدة اصلاحات في مسجد الشيخ الأنصاري، ففي عام 1360هـ / 1941م تبرع جماعة من أهالي النجف الأشرف لإعادة بناء المسجد، وساعدتهم مديرية الأوقاف العامة، وفي عام 1999م بوشر ببناء القطعة المجاورة للمسجد لغرض توسعته وهي قطعة كبيرة تتصل بالقسم المكشوف من المسجد، وفي قبال المسجد بناية للوضوء ومرافق صحية.
ويطلق على مسجد الشيخ الأنصاري اسم (مسجد الترك) ويعود سبب تسمية المسجد بالترك إلى اتخاذه مكاناً للمآتم الحسينية من قبل الأتراك في مدينة النجف الأشرف.
قصة بناء مسجد الشيخ الأنصاري (قدس سره):
كان الشيخ الأنصاري ولا زال رمزاً من رموز الشيعة الكبار ومن العلماء الفطاحل الذين عرفتهم النجف الأشرف في القرون الماضية، كان الشيخ الأنصاري رحمة الله عليه فقيراً جدا (في الحالة المادية) أما في غيرها فهو علم من اعلام النجف الأشرف وزعيم من زعمائها الذين عرفهم العالم بعلمهم وورعهم وتقواهم.
نعم هكذا كان الشيخ الأنصاري (قدس سره) فقيراً جداً، وكان يسكن هو وعائلته في منزل صغير جدا، لا يليق بمرجع كبير وزعيم للحوزة أن يسكن فيه، نعم هكذا كان تواضع الشيخ الانصاري الذي قضى حياته بالزهد والعبادة وخدمة المذهب الإمامي الجعفري الاثني عشري.
وفي أحد الأيام جاء تاجرٌ من التجار الكبار إلى النجف الأشرف، وكان يسمع عن الشيخ الأنصاري الكثير، فلما وصل إلى النجف الأشرف تشرف بزيارة المرجع والزعيم وشيخ الطائفة الأنصاري، فلما نظر إلى البيت الذي يسكن فيه الشيخ الأنصاري دهش كثيراً، وتألم كثيراً وقال: مثلك يسكن في هذا البيت الصغير الذي لا يسعك أنت وعيالك، فذهب أيام ثم رجع إلى الشيخ وأعطاه مبلغاً من المال وقال له يا شيخنا اشترِ بهذا المال بيتاً لك ولعيالك، أخذ الشيخ الأنصاري (قدس سره) المال من التاجر وشكر سعيه للخير، وذهب التاجر وهو مطمأن البال، ومرتاح الضمير، ولما رجع التاجر إلى الشيخ الأنصاري لكي يرى البيت الذي اشتراه الشيخ الأنصاري، فوجئ التاجر ببقاء الشيخ في البيت نفسه، فسأله أين البيت الذي اشتريته يا شيخنا؟ فقال الشيخ رحمه الله: تعال معي لكي أُريك البيت فلما ذهب التاجر مع الشيخ الأنصاري رأى أن الشيخ قد اشترى أرضاً وبنى عليها مسجداً لكي يعبد فيه الله جل جلاله وقال الشيخ الأنصاري: هذا البيت الذي يبقى ولا يزول، وتبقى أعماله ولا تزول، أما البيوت التي نسكن فيها فهي زائلة لا محالة، وهذا المسجد موجود إلى الآن في النجف الأشرف باسم: (جامع الأنصاري) حقاً ما كان لله ينمو.
ترجمة الشيخ الأنصاري (قدس سره):
هو من أفذاذ العلماء، زاهد عابد تقي ورع، محقق بارع ذاع صيته في البلاد الإسلامية، وقد قالوا عنه انه صار وحيد عصره لما قدّم من الأطروحات والكتب القيمة في الفقه والأصول التي ينهل من نميرها طلبة العلوم وغيرهم، كـالرسائل والمكاسب التي هي مدار التدريس في الحوزات العلمية.
هو الشيخ مرتضى بن محمَّد أمين بن مرتضى بن شمس الدين الأنصاري، ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله عليه ولأجل ذلك كانت تسميته بالأنصاري، ولد في عيد الغدير الأغر، سنة 1214هـ، في مدينة دزفول بإيران من أسرة علمية عرفت بالصلاح والتَّقوى.
تعلّم قراءة القرآن والكتابة وهو في الخامسة من عمره، وأخذ بعدها بدراسة الصرف، والنحو، والمنطق والمعاني، والبيان على والده وعلى فضلاء مدينته، ثُمَّ قرأ المقدّمات عند عمّه الشيخ حسين، إلى أن صار عمره عشرين سنة حضر الشيخ الأنصاري في كربلاء دروس السيِّد محمَّد المجاهد (قدس سره) حتّى عام 1236هـ حيث عاد بعد ذلك إلى موطنه ديزفول، وبقي فيها يدرس ويربي مدّة سنتين ثُمَّ عاد إلى كربلاء، فحضر على أستاذه شريف العلماء المازندراني (قدس سره).
وبعد ذلك هاجر إلى النجف الأشرف، فحضر درس الشيخ موسى كاشف الغطاء (قدس سره).
استقل بالبحث والتدريس فتخرج من بين يديه المئات من أفذاذ العلم، وصار من فقهاء الامامية ومراجعهم ومن الدعائم والأركان التي قام عليها هذا الكيان المقدس. وانتهت إليه رياسة الإمامية بعد وفاة الشيخ محمَّد حسن ـ صاحب الجواهر ـ (قدس سره) وقام بها خير قيام.
وكان الشيخ يدرك أغلب الزيارات المخصوصة للإمام الحسين (عليه السلام)، فكان يسافر في هذه الأوقات إلى كربلاء ويبقى فيها مدة.
مؤلفاته:
ألّف شيخنا الأعظم كتبا كثيرة مشتهرة عليها مدار التدريس في الحوزات العلمية، ووصلت شهرة كتبه درجة بحيث لم يكد يجهل بها أحد، وذلك لما تحويه مؤلفاته من دقة وإمعان نظر وتحقيقات جديدة، بحيث إنه لما يدخل في بحث ما لا يترك صغيرة وكبيرة إلا ويذكرها.
وهذه المؤلفات الكثيرة الدقيقة من شيخنا ـ مع ضعف بصره وتسلمه لأمور الشيعة وزعامته للحوزة وتدريسه وغيرها من مشاغل المرجعية ـ ليست هي إلا فضل من الله أعطاه لهذا العبد الصالح.
وفاته ومدفنه:
توفي شيخنا في النجف الأشرف بداره في محلة الحويش ليلة السبت الثامن عشر من جمادى الثانية سنة 1281 هـ وعمره 67 سنة، وغسّله بحسب وصيته تلميذاه العالمان الحاج مولى علي محمد الخوئي والآخوند المولى علي محمد الطالقاني، وصلى عليه بوصية منه الحاج السيد علي الشوشتري.
ودفن في صحن أمير المؤمنين عليه السلام في الحجرة المتصلة بباب القبلة في جوار عديله في الصلاح والزهد الشيخ حسين نجف، وقبره معروف لحد الآن وعليه شباك.
ولما توفي الشيخ كان ما عنده مبلغاً قليلاً جداً لا يكفي الا لتسديد دينه بحيث لم يستطع أقرباؤه أن يقيموا العزاء عليه، فقام بنفقة عياله ومصرف فاتحته أحد المحسنين.
المصدر: بيوت المتقين (38) شهر صفر 1438هـ