الاتّصاف بحسن الخلق

من وصايا المرجعية العليا في النجف الأشرف المتمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف للشباب المؤمن.

الثانية : الاتّصاف بحسن الخلق، فإنّه جامع للفضائل الكثيرة من الحكمة والتروّي والرفق والتواضع والتدبير والحلم والصبر وغيرها، وهو بذلك من أهمّ أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، وأقرب الناس إلى الله سبحانه وأثقلهم ميزاناً في يومٍ تخفّ فيه الموازين هو أحسنهم أخلاقاً، فليُحسّن أحدُكم أخلاقه مع أبويه وأهله وأولاده وأصدقائه وعامّة الناس، فإن وجد من نفسه قصوراً فلا يهملنّ نفسه بل يحاسبها ويسوقها بالحكمة إلى غايته، فإن وجد تمنّعاً منها فلا ييأس بل يتكلّف الخلق الحسن، فإنّه ما تكلّف أمرؤٌ طباع قوم إلاّ كان منهم، وهو في مسعاه هذا أكثر ثواباً عند الله سبحانه ممّن يجد ذلك بطبعه.

من المرتكزات الإنسانية العامة وفي جميع الأديان والثقافات أنّ حسن الخلق فضيلة وكرامة لمن توجد فيه كصفة راسخة أو متقمّصة، وهو أمر أثبتته الشريعة الإسلامية، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ثلاث يوجبن المحبة: حسن الخلق وحسن الرفق والتواضع)[1] وقال: (من حسن خلقه كثر محبوه وأنست النفوس به)[2].

 وحسن الخلق لا يتحقق بصفة واحدة ولا بصفتين بل هو مجموع عدة صفات من الحكمة والتروّي والرفق والتواضع والتدبير والحلم والصبر وغيرها، فحريّ بالمؤمن أن لا يقنع من نفسه بالقليل من الصفات الحميدة بل يطلب مراتب أعلى كلّما بلغ مرتبة من مراتب حسن الخلق.

وقد ورد عن الأئمة (عليهم السلام) في حسن الخلق أن يكون الرجل متواضعاً لطيفاً ذا رفقٍ ورحمةٍ، وأن لا يتكلّم إلّا بما يرضي الله تعالى ويقعَ كلامه في قلوب السامعين موقع الأنس، ويعلوَ الوجه طلاقة وسماحة، فإن مثل هذه الصفات يتجسد فيها حسن الخلق كما أخبر بذلك الإمام الصادق (عليه السلام) لَمّا سُئلَ عن حَدّ حُسنِ الخُلقِ قال: (تَلينُ جانِبَكَ، وتُطيِّبُ كلامَكَ، وتَلْقى أخاكَ ببِشْرٍ حَسَنٍ)[3].

كما أن الوسطية هي الميزان في تحقق مفهوم حسن الخلق فعدم الإفراط أو التفريط هو الذي يصبغ الأفعال والأقوال بالصبغة الحسنة، وبعكسه يقع القبح وتتشوّه الصورة، فالإنفاق مثلاً إذا زاد عن حده فهو إسراف وإن قصر عن حده فهو بخل، وهكذا تجري القاعدة في الصفات الأخرى، قال الإمام العسكري (عليه السلام) إذ يقول: «إنّ للسَّخاءِ مِقْداراً فإنْ زادَ علَيهِ فهُو سَرَفٌ، وللحَزْمِ مِقْداراً فإنْ زادَ عَلَيهِ فهُو جُبْنٌ، وللاقْتِصادِ مِقْداراً فإنْ زادَ عليه فهُو بُخْلٌ، وللشَّجاعَةِ مِقْداراً فإنْ زادَ علَيهِ فهُو تَهوُّرٌ»[4] وقس على ذلك باقي الأمور.

وموارد حسن الخلق كثيرة تشمل جميع العلاقات الاجتماعية، ومن أهمها حسن الخلق مع الوالدين قال الله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ (الإسراء: 23).

 فإن برّ الوالدين من أفضل الطاعات التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى وهو من حسن الخلق لأن الوالدين هما سبب وجود الأبناء في الحياة وسبب سعادتهم، حيث يقومان عليهم بالسهر والرعاية والتعليم وتحقيق أحلامهم.

ثمّ حسن الخلق مع الأهل سواء كان بالمعنى الأخص (الزوجة) أو مع الأولاد  قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (خَيرُكُم خَيرُكُم لِأَهلِهِ، وأنَا خَيرُكُم لِأَهلي)[5]، والخير جامع لكل صفات حسن الخلق، على أن هذا الأمر غير مختص بالرجل بل يشمل المرأة أيضاً تجاه بعلها، فينبغي أن تحسن التعامل الطيب مع زوجها منذ أن يدخل إلى أن يخرج من البيت, تريحه وتهيئ له أجواءً هادئة، لذلك لما جاء شخص إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) قال إن لي زوجة تستقبلني إذا دخلت وتودعني إذا خرجت وتفعل لي كذا وكذا وصار يعدد ما تفعل معه زوجته،  فقال له الرسول (صلى الله عليه وآله): (بشرها عني أنها عامل من عمال الله وعامل الله لا يخيب)[6].

وهنا مسألة مهمة جداً وهي  أن بعض الناس نتيجة للجو الأسري، أو المحيط الدراسي، أو اقترانه ببعض الأصدقاء، يجد في نفسه مانعاً من تحصيل الصفات الحسنة التي تستدعي حسن سلوكه وهذه تعتبر حالة مرضية سلوكية، فإذا أحسّ أحد بهذا الأمر يجب عليه عدم الاستسلام لليأس ولا يوطّن نفسه أنها غير قابلة لحسن الخلق، بل يحاول أن يتقمص ويتخلّق بالخلق الحسن ويستعسر لسلوكه كل صفة فضيلة، ولا يعتبر ذلك رياءً أو نفاقاً بل له كل الأجر على هكذا فعل؛ لأنه جاهد نفسه وأرغمها على ما لا ترغب، وجالدها فيما يخالف هواه، بل يكون أجره أكثر من الذي مارس صفة حسنة لحبه لها بالطبع لأن هذا الثاني لم يجالد أو يخالف النفس بل أن النفس هي منقادة للفعل، وهذه المعادلة السلوكية بها فُضّل الإنسان على الملائكة في العمل الصالح بل في جميع التكاليف؛ لأن الملائكة ليس لهم هوى يخالف وظائفهم بل هي وظائف نابعة من طبيعة خلقهم, أما الإنسان فثمة نفس تأمره بالسوء، وثمة شيطان يحاول غوايته وينصب له المزالق، فإذا انتصر على كل هذا وقاد نفسه نحو الخير والفضيلة فله أجر ذلك قطعاً.

 


[1] غرر الحكم: ج:1 ص:170.

[2] غرر الحكم: ج:1 ص:170.

[3] الكافي للكليني ج:2 ص:153.

[4] بحار الأنوار ج:69 ص:407.

[5] وسائل الشيعة:ج:2 ص:253.

[6] وسائل الشيعة: ج:17 ص247.