لابد لنا من الكلام عن حق المجاهدين والشهداء في مجتمعنا، فقد ضحّوا بالغالي والنفيس من أجل أن يهنأ مجتمعنا بالرخاء والعز والكرامة.
والكلام عن المجاهدين والشهداء قد يحتاج المرءُ إلى عمرٍ بأكمله لكي يبلغ مدحتهم، ولعلّه لا يبلغ المرام، فالكلمة لها أُفق محدود قد لا ترقى لمستوى أن تُحاكي مقامَ الجهاد والشهادة، فإنّ المداد وإن كان واصفاً للشهداء إلَّا أنّه لن يفي بحقّهم، ولذا يعجز البيان وتقصر العبارة وتشحّ المعاني أمام من كتب بالدماء حقيقة الولاء، وروعة الإباء، وقصّة الفداء، إلّا أنّنا سنحاول بيان بعض من فضائل من سلك طريق ذات الشوكة وطلب اللقاء مع الله تعالى فمنّ الله عليه بالكرامة السابغة وقرّبه إليه زلفى وجعل في مماته الحياة...
قال الله تعالى: (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ...)[1]. ففضَّل المجاهدين على القاعدين ورفع من شأنهم وعظّم أجرهم، فإن بلغوا مقام الشهادة جعل الحياة الخالدة لهم فكانوا الأحياء الحقيقيّين.
منزلةُ المجاهد:
لقد خصَّت الشريعة الغرّاء المجاهد بأرفع الأوسمة، فقد وردت الروايات من كلِّ باب منها تذكر المجاهد وترفعه إلى المقامات العليّة وفيما يلي نستعرض بعض الروايات الّتي تَبَاهت بالمجاهد وعلّقت على صدره المدائح وساماً محفوراً على مدى التاريخ.
عن الإمام عليٍّ (عليه السلام): (.. فطوبى للمجاهدين في سبيله والمقتولين في طاعته)[2].
أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يقول للمجاهدين إنّ (طوبى) هو مكان خصّصه الله تعالى للمجاهدين ثواباً منه، وتقديراً على ما قدّموا من تضحيات، يقول سبحانه: (طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)[3]. وقد يكون المقصود من طوبى لهم معنًى هنيئاً لهم، فيكون بذلك قد هنّأهم بهذا التوفيق الإلهيّ، وأيّ من المعنيين عنى (عليه السلام) فهو وسام لهم على كلّ حال.
خيرُ الناس:
أن تكون من خيرِ الناس، أو يقول عنك أهل البيت (عليهم السلام) إنَّك من خير الناس ليس بالأمر السهل أو البسيط، بل ذلك إنّما يكون لمن قدّم في سبيل ذلك أغلى شيء وأثمن مقابل، وبالجهاد استحقّ المجاهد هذا التقدير من أهل البيت (عليهم السلام)، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (خيرُ الناس رجل حبس نفسه في سبيل الله يجاهد أعداءه يلتمس الموت أو القتل في مصافّه)[4].
يغضب الله لغضبه ويستجيب دعاءه:
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اتّقوا أذى المجاهدين فإنّ الله يغضب لهم كما يغضب للرسل، ويستجيب لهم كما يستجيب للرسل)[5].
وهذا إن دلّ على شيءٍ فإنّه يدلّ على مقام القرب منه سبحانه وتعالى ومقدار الاهتمام والرعاية منه تعالى لشأنهم عنده. عن الإمام الصادق (عليه السلام): (ثلاثة دعوتهم مستجابة: أحدهم الغازي في سبيل الله، فانظروا كيف تخلفونه)[6].
بابٌ للمجاهدين في الجنّة:
وكما فضّل تعالى المجاهدين في الدنيا على القاعدين، كذلك فقد خصّهم في الآخرة بميزة يتمايزون بها عن سائر الناس وهو أن يدخلوا الجنّة من باب قد أُعِدَّ خصّيصاً لهم.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (للجنة باب يقال له باب المجاهدين، يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحب بهم..)[7].
ويمكنك أن تتصوّر بعقلك صورة ذلك وقد أقبل الناس فيه للحساب يتدافعون في زحمة فزعين خائفين والعرق يتصبّب منهم في حالة من الرُّعب والفزع وقد اصطفّوا للحساب، وبينما هم كذلك وإذ بباب المجاهدين قد فُتح فيدخل منه المجاهدون والملائكة على بابه مصطفّة ترحّب بهم فأيّ كرامة بعد هذا؟.
وكل هذا الفضل والمكانة الرفيعة للمجاهدين والشهداء والتضحيات الجسام يحتاج منا السعي في قضاء حوائجهم واعانتهم معنوياً ومادياً، وتفقد اهليهم وذويهم، حتى نرد ولو جزء يسير من فضائلهم وحقوقهم علينا، فلولا دماء الشهداء وآلام الجرحى وعناء المجاهدين، لفقدنا الأمن والأمان وهتكت الحرمات.