ونحن نعيش في زمان الغيبة الكبرى لمولانا صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) تتوق نفوس المؤمنين للارتباط بالإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وبكل ماله علاقة به من زيارة ودعاء وصلاة ومقام ومسجد، ومن هذه الأماكن المباركة مسجد جمكران والذي صار له ارتباط وثيق بالإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
موقع المسجد وأهميته:
يقع في الجهة الجنوبية لمدينة قم المقدسة في إيران، وعلى بعد بضعة آلاف من الأمتار مسجد كبير يقال له مسجد جمكران إضافة إلى اسم المكان، يقصده المئات بل الآلاف من المؤمنين من شتى بقاع إيران وغيرها، ولا سيما في ليالي الأربعاء من كل أسبوع، يقضون فيه أوقاتا في العبادة والتهجد والتوسل بالحجة بن الحسن العسكري (عليهما السلام) وهو عامر بالعبادة في جميع الأوقات.
ويعود تاريخ هذا المسجد إلى القرن الرابع الهجري، وقد ذكرت في كيفية تأسيسه قصة عجيبة ترتبط بالإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولذا نسب المسجد إليه.
ويُعدّ هذا المسجد من العلائم البارزة لهذه المدينة المقدسة، ومن النادر جدا أن يزور شخص مدينة قم المقدسة ويغفل عن زيارة هذا المسجد والصلاة فيه، وقد ذكر أن له صلاة مخصوصة بكيفية خاصة كما سيأتي بيانها. وقد اتسعت رقعة هذا المسجد بعد أن كانت مساحته صغيرة، وأصبح يتسع للآلاف من المصلين وخُصِّص قسم منه إلى النساء، وتشرف عليه هيئة خاصة تدير شؤونه ولوازمه وسائر مرافقه[1].
قصة بناء المسجد:
ذكر العلامة المجلسي في كتاب بحار الأنوار ج58، ص230-234 نقلاً عن تاريخ قم للشيخ الفاضل الحسن بن محمد بن الحسن القمي- وهو من معاصري الصدوق رضوان الله عليه - من كتاب مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين، من مصنفات أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ما لفظه بالعربية:
سبب بناء المسجد المقدس في جمكران بأمر الإمام عليه السلام على ما أخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني قال: كنت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وتسعين (والصحيح كما في الأصل: سبعين، واشتبه على الناسخ؛ لأن وفاة الشيخ الصدوق كانت قبل التسعين) وثلاثمائة نائما في بيتي فلما مضى نصف من الليل فإذا بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني، وقالوا: قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان فإنه يدعوك.... إلى أن قال: فلما جئت إلى الباب، رأيت قوما من الأكابر، فسلمت عليهم، فردوا ورحبوا بي، وذهبوا بي إلى موضع هو المسجد الآن، فلما أمعنت النظر رأيت أريكة فرشت عليها فُرُش حسان، وعليها وسائد حسان، ورأيت فتى في زِيِّ ابن الثلاثين متكئا عليها، وبين يديه شيخ، وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله أكثر من ستين رجلا يصلّون في تلك البقعة، وعلى بعضهم ثياب بيض، وعلى بعضهم ثياب خضر.
وكان ذلك الشيخ هو الخضر (عليه السلام) فأجلسني ذلك الشيخ، ودعاني الإمام (عليه السلام) باسمي، وقال: اذهب إلى حسن بن مسلم، وقل له: إنك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها، ونحن نخربها، زرعت خمس سنين، والعام أيضا أنت على حالك من الزراعة والعمارة؟ ولا رخصة لك في العود إليها وعليك رد ما انتفعت به من غلات هذه الأرض ليبنى فيها مسجد، وقل لحسن بن مسلم: إن هذه أرض شريفة قد اختارها الله تعالى من غيرها من الأراضي وشرفها، وأنت قد أضفتها إلى أرضك، وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابين، فلم تنتبه من غفلتك، فإن لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر.
قال حسن بن مثلة: [قلت] يا سيدي لا بد لي في ذلك من علامة، فإن القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجة عليه، ولا يصدقون قولي، قال: إنا سنعلّم هناك فاذهب وبلغ رسالتنا، واذهب إلى السيد أبي الحسن وقل له: يجيء ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين، ويعطيه الناس حتى يبنوا المسجد، ويتم ما نقص منه من غلة رهق ملكنا بناحية أردهال ويتم المسجد، وقد وقفنا نصف رهق على هذا المسجد، ليجلب غلته كل عام، ويصرف إلى عمارته.
وقل للناس: ليرغبوا إلى هذا الموضع ويعزروه ويصلّوا هنا أربع ركعات للتحية في كل ركعة يقرأ سورة الحمد مرة، وسورة الإخلاص سبع مرات ويسبح في الركوع والسجود سبع مرات، وركعتان للإمام صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هكذا: يقرأ الفاتحة فإذا وصل إلى «إياك نعبد وإياك نستعين» كرره مائة مرة ثم يقرؤها إلى آخرها، وهكذا يصنع في الركعة الثانية، ويسبّح في الركوع والسجود سبع مرات، فإذا أتم الصلاة يهلّل ويسبّح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلّي على النبي وآله مائة مرة، ثم قال (عليه السلام): ما هذه حكاية لفظه: فمن صلاها فكأنما صلّى في البيت العتيق.
إلى أن قال حسن بن مثلة: فعدت حتى وصلت إلى داري ولم أزل الليل متفكّرا حتى أسفر الصبح، فأديت الفريضة، وجئت إلى علي بن المنذر، فقصصتُ عليه الحال، فجاء معي حتى بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة، فقال: والله إن العلامة التي قال لي الإمام واحد منها أن هذه السلاسل والأوتاد ههنا.
فذهبنا إلى السيد الشريف أبي الحسن الرضا فلما وصلنا إلى باب داره رأينا خدامه وغلمانه يقولون: إن السيد أبا الحسن الرضا ينتظرك من السحر، أنت من جمكران؟
قلت: نعم، فدخلت عليه الساعة، وسلمت عليه وخضعت، فأحسن في الجواب وأكرمني ومكّن لي في مجلسه، وسبقني قبل أن أحدثه، وقال: يا حسن بن مثلة إني كنت نائما فرأيت شخصا يقول لي: إن رجلا من جمكران يقال له: حسن بن مثلة يأتيك بالغدو، ولتصدقن ما يقول، واعتمد على قوله، فإن قوله قولنا، فلا تردن عليه قوله فانتبهت من رقدتي، وكنت أنتظرك الآن.
فقص عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحا فأمر بالخيول لتسرج، وخرجوا فركبوا فلما قربوا من القرية ...... وجاء السيد أبو الحسن الرضا ... إلى ذلك الموضع، وأحضروا الحسن بن مسلم واستردوا منه الغلات وجاؤا بغلات رهق، وسقفوا المسجد بالجزوع (الجازع: الخشبة توضع في العريش عرضا وتطرح عليها قضبان الكرم) وذهب السيد أبو الحسن الرضا ... بالسلاسل والأوتاد وأودعها في بيته فكان يأتي المرضى والأعلاء (جمع عليل والعليل من به عاهة أو آفة) ويمسّون أبدانهم بالسلاسل فيشفيهم الله تعالى عاجلا ويصحون ....).
ومنذ أن أسس هذا المسجد وإلى يوم الناس هذا لا يزال المؤمنون يتوافدون على هذا المسجد وحدانا وأفواجا، ويبتهلون إلى الله تعالى ويتوسلون بوليه الحجة ابن الحسن (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في مختلف شؤونهم وقضاياهم، ولا سيما بالدعاء لتعجيل الفرج.
المصدر: بيوت المتقين (23) ـ شهر شعبان 1436هـ