محن وآلام صاحب الزمان (عليه السلام) / سماحة السيد حسين الحكيم

قال الله تعالى في كتابه الحكيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)[1].

حينما نمرُّ على مكامن الأسى في أحزاننا وشجوننا لابد أن نتذكر، ولابد أن نستحضر أن إمامنا وحبيب قلوبنا صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين هو الذي يسبقنا حتى في حزننا.

فتعالوا لنتأمل ولنتحسس بأحزانه، إذا كنا نحب ولينا وإمامنا وسيدنا صاحب العصر(عليه السلام) لابد أن نعيش أو نحاول أن نقترب مما يحمله ذلك القلب من حزن.

نحن نعيش حزن الغيبة ونتألم لأن إمامنا وسيدنا غائب عنا ومفارق لنا، وهو(عليه السلام)مع كونه قائداً إلا أنه يعيش حزن الغيبة أيضاً فهو يحزن لأننا مفارقون له.

وأيضا عندما نجد هذا الظلم، وعندما نجد هذه القيم التي ضاعت من دنيانا، وعندما نجد الشريعة التي انتهكت حرمتها نتألم، ولكن هو(عليه السلام) يتألم أكثر منا؛ لأنه هو المعد لإعادة الحق إلى نصابه.

نحن نتألم مرة أخرى عندما نجد الثأر معطلاً، والذي عنده ثأر لا يقرّ له قرار حتى يأخذ بثأره، هذه ثاراتكم يا أئمتنا تؤلّمنا وتؤرِّقنا، ولكنه (عليه السلام) يعيش ألم تأخير الثأر حقيقة؛ لأن الثأر ثأره ونحن إذا نغضب فإننا نغضب من أجله ومن أجل أجداده(عليهم السلام)، وهو(عليه السلام) يعلم بهذا جيداً ولا يغيب عنه أبداً.

نقرأ في بعض الروايات عن طبيعة محبة الأئمة (عليهم السلام)، ولطفهم، وارتباطهم بشيعتهم، فقد روي عن الإمام زين العابدين(عليه السلام)أن أحداً من شيعتهم جاءه يشكو إليه الفقر، وكان الإمام زين العابدين(عليه السلام) محاصراً، ولا يتمكن شيعته من ايصال الحقوق الشرعية إليه، ولم يتمكن الإمام أن يعتذر منه، فبكى حتى سالت دموعه من عينيه، لأن هذا الإنسان من شيعته وجاء يطلب عوناً من إمامه ولا يملك الإمام (عليه السلام)ما يدفع به فقره ويواسيه، فجاد(عليه السلام) له بدموع عينيه حتى أن هذا الإنسان الشيعي المؤمن الموالي تألّم كثيراً وقال: سيدي لماذا تبكي؟ أخيراً عرف سبب البكاء فزاد ألمه.

الآن لنتصور كم ذرف إمامنا وسيدنا صاحب الأمر(عليه السلام) من الدموع؟ وكم اختلجت في صدره من الآهات لما يشهده من الآلام التي أحاطت بشيعته من كل مكان، فهو(عليه السلام)يتحسّس هذه المحن، ويعلم بها وكلها تجعله يشتاق أشد الشوق لذلك اليوم الذي يقف فيه بين الركن والمقام وينادي بأصحابه فيخرجون ويلتحقون به من بقاع الأرض، ولكن ماذا بيده؟!!

  كثيرة هي الروايات التي توصينا نحن الشيعة بالدعاء له بالفرج، فهو في بلاء عظيم، هو في ضيق، هو في غربة، هو في وحشة، والفرج الحقيقي له، فهو المظلوم الحقيقي، وإن كان فرجه فرج لنا.

عندما نختلف فيما بيننا، أو يعتدي بعضنا على بعض، أو يتهجم بعضنا على بعض، نتألم كثيراً ولكن إمامنا يتألم أكثر.

هذه الآلام وغيرها هو يشاركنا فيها، بل هو دائماً يتقدّمنا في الألم، فهو إمامنا في آلامنا كما هو إمام آمالنا صلوات الله عليه.

ولكن يبقى ألم واحد في قلب صاحب الأمر(عليه السلام)، وهذا لا نشترك نحن معه فيه، وهذا الألم الذي يتألم به إمامنا صاحب الأمر(عليه السلام) قد نكون نحن سبباً في زيادته، وهو ألم عرض أعمالنا عليه.

فنحن نقرأ في روايات أهل البيت(عليهم السلام) أن الأعمال تعرض على إمام الزمان، وفي بعض الروايات في كل ليلة جمعة[2].

إنّ الإمام عجل الله فرجه يفرح لله، ويغضب لله، ويحزن لله، ويحب في الله، ويبغض في الله. فكيف به وهو يقرأ في صحيفة أحدنا سيئة أو ذنباً ارتكبه، فهو يعيش تلك الجبال من الآلام. هذا الألم يأتي إضافياً لتلك الآلام، هذا ألم ذوي القربى، هذا ألم المقربين الأحبة الأعزة، فلماذا هذه الذنوب؟ ولماذا هذه الجرأة على المعاصي؟ ولماذا لا نرأف بذلك القلب الذي أفعمته الآلام وملأته الجراح؟

لماذا لا نكون السبب في إدخال السرور عليه(عليه السلام) حينما يطّلع على أعمالنا فيجدها متطابقة مع ما يريده الله تعالى منّا.

فلنجدد العهد معه، ولنتب على يديه حباً له، ونعقد العزم على أن نقاطع ونهجر كل الذنوب، ونتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يعصمنا ببركة إمام زماننا من كل ذنب، حباً وشفقة وحناناً لسيدنا صاحب الأمر(عليه السلام) ومحبة له.

فالتوبة لا تكون دائماً خوفاً من النار، وإن كان الخوف حقيقياً، والنار حقيقة فلابد أن نخشاها، والجنة حقيقة من الحقائق فلابد أن نطمع فيها. ولكن شفعاءنا إلى الجنة، ومنقذينا من النار هم أهل البيت (عليهم السلام)، فلنؤكد ارتباطنا وانتماءنا وتلاحمنا واهتمامنا بأئمتنا صلوات الله عليهم في طاعتنا لله حباً لهم، من أجل أن يفرح مهدي هذا العصر(عليه السلام).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (49) ـ الصفحة: 20 - 21.

 

 


[1] القصص: ٥.

[2] راجع كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: ص ٣٨٧.