الأدب مع الإمام صاحب الزمان المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)

نِعَمُ الله على عباده كثيرة فليس لأحد إحصاؤها، ومن تلك النعم وجود إمام في كل زمان يهتدي العباد بهديه، ويسيروا على نهجه، وينهلوا من مناهله، فوجود الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) في زماننا، والاعتقاد به وأنه(عليه السلام) واسطة وصول الفيوضات الإلهية، والنعم غير المنتهية الدنيوية والأخروية، حتى وهو غائب عن الأنظار، فإنَّ لهُ الأثر الكبير على العباد، على الرغم من غيبته واستتاره عن الأنظار، حيث روي عن الصادق الأمين(صلّى الله عليه وآله) أنه سأله جابر - بعدما بين رسول الله(صلّى الله عليه وآله) أمر الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)- قائلاً: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟

قال(صلّى الله عليه وآله): (إي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس، وإن تجللها سحاب...)[1].

وذكر في رواية أخرى عن سلمان: (فقلت للصادق(عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب)[2].

وتشبيه وجوده المقدّس بالشمس إذا جللها السحاب له وجوه منها:

يمكن القول أن وجوه التشابه عديدة، منها:

أ- إنّ نور الوجود والعلم والهداية وسائر الفيوضات والكمالات والخيرات تصل إلى الخلق ببركته(عليه السلام)، وببركة الشفاعة، وبالتوسّل به(عليه السلام)  تظهر الحقائق والمعارف لأوليائه، وتنكشف البلايا والفتن عنهم، فبوجوده بقاء العالم وصلاحه فقد ورد عن جابر بن يزيد الجعفي، أنه قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر(عليهما السلام): لأي شيء يحتاج إلى النبي(صلّى الله عليه وآله) والامام؟ فقال: لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أن الله عزّ وجلّ يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام قال الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ[3].

وقد جاء متواتراً عن الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (أهل بيتي أمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء)[4].

بين(عجل الله فرجه الشريف) وجه الانتفاع به بقوله(عليه السلام): (وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء)[5].

وكلّ من تنوّر قلبه ولو بقليل من نور الإيمان يعلّم أنّه إذا انسدّت أبواب الفرج على أحد ولا يعرف طريقاً له، أو اشتبه عليه مطلب دقيق، أو مسألة غامضة، فإنّه عندما يتوسّل به(عليه السلام)  وبأدنى توسّل تنفتح أبواب الرحمة والهداية.

ب- إنّ منكر وجوده(عليه السلام) مع أنّ أنوار إمامته ساطعة، وآثار ولايته ظاهرة، كالمنكر لوجود الشمس إذا حجبت بالسحاب.

ج- قد تكون غيبة الشمس بالسحاب أحياناً أصلح للعباد وأنفع، فكذلك قد تكون غيبته(عليه السلام) مع الانتفاع بالآثار، أصلح من ظهوره(عليه السلام) في الوقت الحاضر.

د- كما إنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بضوئها، فهم ينتظرون في كلّ آن رفع السحاب وانكشاف الحجاب، فكذلك المخلصون، والمؤمنون الموقنون، ينتظرون الفرج دائماً في أيام غيبته، ولا ييأسون، ويحصلون بذلك الانتظار على ثواب عظيم.

روى الشيخ الصدوق عن أبي خالد الكابلي أنه قال: قال الإمام زين العابدين(عليه السلام): (يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله عزّ وجلّ سراً وجهراً، وقال(عليه السلام): انتظار الفرج من أعظم الفرج)[6].

عن يمان التمار قال: كنا عند أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) جلوسا فقال لنا: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقَتاد... فأيُّكم يُمسك شَوكَ القَتاد بيده؟ ثم أطرق ملياً، ثم قال: إن لصاحب هذا الامر غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه)[7].

وعنه(عليه السلام): (كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم، يتبرأ بعضكم من بعض فعند ذلك تميزون، وتمحصون، وتغربلون...)[8].

وبهذا المضمون أخبار كثيرة، أثنت على المبتلين بظلمات الغيبة وحافظوا على دينهم، وسمّاهم رسول الله(صلّى الله عليه وآله) أخوته، وأوعدهم بأجر كبير، لتحملهم الأذى والمشقة في حفظ وحراسة دينه.

ومما ينبغي على المؤمن اتجاه إمام زمانه(عليه السلام) من الأدب:

1. أن يكون مهموماً له(عليه السلام)  في أيام الغيبة والفراق، بسبب عدم القدرة على الوصول إليه مع وجوده بيننا(عليه السلام).

2. أن يعلم الإنسان أن الإمام(عليه السلام)  مطلع على خفايا أعمال العباد، في آناء الليل وأطراف النهار، بإذن الله عزّ وجلّ، لأنه حجة الله على خلقه.

3. أن يكون الإمام(عليه السلام)  أحب إليه من نفسه وأهله.

قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (لا يؤمن عبد حتى أكون أحبَ إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته)[9].

فإن العارف بخصائص الإمام(عليه السلام)  الذاتية وكمالاته النفسية وإحسانه اللامتناهي للعباد، فإنه يتعلق قلبه بحب الإمام  بمقدار علمه ومعرفته به(عليه السلام).

4. الشعور بالحزن لمنع هذا الإمام العظيم المصلح من تسلم الخلافة، والحكم على الأرض، وهو الذي يملك الإمكانات العظيمة لإغاثة المظلوم، ونشر العدل والإحسان.

5. إنتظار الفرج وتوقع ظهوره المبارك، قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قال: (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عز وجل)[10]. والانتظار يتحقق بملازمة التقوى، والورع عن محارم الله، والصبر على الأذى في جنب الله.

6. الالتفاف حول العلماء المعظّمين الاتقياء المخلصين، وهم مراجع التقليد، فهم وكلاء الإمام المهدي(عليه السلام) في زمن الغَيبة، كما قرّره(عليه السلام) في توقيعه المبارك في جواب مسائل اسحاق بن يعقوب: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله)[11].

7. الدعاء للإمام بالحفظ والسلامة من شر شياطين الإنس والجن، والدعاء بطلب الظفر والنصر له، وغلبته على الكفار، والملحدين، والمنافقين، فإن الدعاء للمؤمنين فيه ثواب عظيم، فكيف بالدعاء لمخلِّص الأرض من الشر، ويستحب أن يختم الإنسان أدعيته اليومية بالدعاء بتعجيل الفرج، وخصوصاً قراءة الأدعية المأثورة، مثل: دعاء الندبة في يوم الجمعة، ودعاء العهد في كل صباح، قال الإمام الحجة المنتظر: (اكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم)[12].

8. التصدق بما يتيسّر في كل وقت لحفظ الإمام المهدي(عليه السلام).

9. الحج نيابة عن الإمام(عليه السلام).

10. وضع اليد على الرأس، أو القيام، تعظيماً لسماع اسمه المبارك، وبالأخص إذا ذكر اسمه المبارك (القائم)، فقد روي عن محمد بن عبد الجبار،
أنه لما قرأ دعبل قصيدته المعروفة على الرضا(عليه السلام)، وذكر الحجة(عليه السلام)  إلى قوله:

                خروج إمام لا محالة خارج               يقوم على اسم الله والبركات

وضع الرضا(عليه السلام)  يده على رأسه، وتواضع قائماً، ودعا له بالفرج[13].

11. الاستعانة والاستغاثة بالإمام المهدي(عليه السلام)  عند الشدائد، والأهوال، والبلايا وعند وقوع الفتن، فقد ذكر الكفعمي وغيره أن تكتب حاجتك في رقعة، وتطرحها على قبر من قبور الأئمة(عليهم السلام)، أو تشدها وتضعها في طين نظيف، وترمي بها في نهر أو بئر عميقة... فإنها تصل إلى صاحب الأمر (صلوات الله عليه) وهو يتولى قضاء حاجتك بنفسه.

والرقعة هي: بسم الله الرحمن الرحيم: (كَتَبْتُ إلَيْكَ يا مَولاَيَ صَلَواتُ الله عَلَيكَ مُسْتَغِيثاً، وشَكَوتُ ما نَزلَ بِي مُستَجِيراً باللهِ عَزَّ وجَلّ، ثمَّ بِكَ، من أمرٍ قَد دَهَمَني، واَشغَلَ قَلبي، وأطالَ فِكْري، وسَلَبَني بَعضَ لُبّي، وَغَيّر خَطِيرَ نِعمَةِ اللهِ عِنْدِي، أسلَمَني عِندَ تَخيّلِ وُرُودِه الخَليلُ، وَتَبرَّأَ مِنّي عِنَدَ تَرائي إقْبالِهِ اِليَّ الحِمِيمُ، وعَجَزَتْ عَن دِفَاعِهِ حِيلَتي، وَخَانَني في تَحَمُّلِهِ صَبْرِي وَقوَّتي، فَلَجَأتُ فِيهِ إلَيكَ وَتَوَكَّلْتُ في المسْألةِ لِلّهِ جَلَّ ثَنَاؤهُ عَلَيهِ وعَلَيكَ، وفي دِفَاعِهِ عَنّي عِلماً بِمَكَانِكَ مِنَ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَلِيّ التَّدْبِيرِ وَمَالِكِ الأُمورِ، وَاثِقاً بِكَ في المسارَعَةِ فِي الشّفَاعَةِ إِلَيهِ جَلَّ ثناؤهُ في اَمْري، مُتَيقِّناً لاِجَابَتِهِ تَبَاركَ وَتَعالى إيّاكَ بِاِعْطَاءِ سُؤْلي، واَنتَ يا مَولايَ جَدِيرٌ بِتَحْقِيقِ ظَنّي وَتَصْدِيقِ اَمَلِي فِيكَ في أَمْرِ كذا وكذا (تَكتب حاجَتكَ) مِمّا لاَ طَاقةَ لِي ( في حَمْلِهِ ولا صَبْرَ لِي) عَلَيهِ وَاِن كُنتُ مُستَحِقّاً لَهُ وَلأضعَافِهِ بقَبيحِ أَفعَالِي وَتَفريطي فِي الواجِباتِ الّتي لِلّهِ عَزَّ وجَلَّ عَلَيّ، فأغِثْني يا مَولاَيَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيكَ عِندَ اللَهفِ، وَقَدِّمِ المسْألةَ للهِ عَزَّ وجَلَّ في اَمْرِي قَبلَ حُلولِ التَلَفِ وشِماتَةِ الأعداءِ، فَبِكَ بُسِطَتِ النِعْمَةُ عَلَيَّ وَاسْأَلِ اللهَ جَلَ جَلاَلُهُ لِي نَصْراً عَزيزاً، وفَتْحاً قَريباً فِيهِ بلُوغُ الآمالِ، وَخَيرُ المبَادِي، وَخَواتِيمُ الاعمَالِ، وَالأمنُ مِنَ المخَاوفِ كُلِّها فِي كُلِّ حَالٍ، إنّهُ جَلَّ ثناؤهُ لِما يَشَاءُ فعّالٌ، وَهُو حَسبي وَنِعمَ الوكِيلُ في المبدءِ وَالمآلِ).

ويعتمد بعض الأبواب، (إمّا عثمان بن سعيد العمري، أو ولده محمد بن عثمان، أو الحسين بن روح، أو عليّ بن محمد السّمري، فهؤلاء كانوا أبواب  [الإمام] المهدي(عليه السلام)  فتنادي بأحدهم: يا فلان ابن فلان، سلام عليك، أشهد أنّ وفاتك في سبيل اللّه، وانّك حيّ عند اللّه مرزوق، وقد خاطبتك في حياتك التي لك عند اللّه عز وجل، وهذه رقعتي وحاجتي إلى مولانا(عليه السلام) ، فسلّمها إليه وأنت الثقة الأمين، ثم ارمها في النهر أو البئر... تُقضى حاجتك إن شاء الله)[14].

ويستفاد من هذا الخبر الشريف أنَّ مائدة إحسان، وجود، وكرم، وفضل، ونعم صاحب الزمان(عليه السلام) مبسوطة في كل قُطْر من أقطار الأرض، لكل مضطرب عاجز، وتائه ضالّ، ومتحيّر جاهل، وبابه يفتح لكل من طرقه، كما يظهر ويتضح من خلال الحكايات والقصص الكثيرة التي نسمعها من الصادقين.

والنتيجة المقصودة في هذا المقام وهي أن الإمام صاحب الأمر(عليه السلام)  حاضر بين العباد وناظر إلى رعاياه، وقادر على كشف البلايا، وعالم بالأسرار والخفايا، ولم ينعزل عن منصب خلافته لغيبته واستتاره عن الناس، ولم يرفع يده عن لوازم وآداب رئاسته الإلهيّة، وما أصاب العجز قدرته الربانيّة، وإذا أراد حلّ مشكلة فإنّه يحلّها بما يلقيه في القلب بما لا تراه عين ولا تسمع به أذن.

 


[1] كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ص253.

[2] الأمالي، الشيخ الصدوق: ص254.

[3] علل الشرائع، الشيخ الصدوق: ج1، ص124.

[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج36، ص291.

[5] الاحتجاج، الشيخ الطبرسي: ج2، ص248.

[6] كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ص320.

[7] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص335.

[8] كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ص348.

[9] الأمالي، الشيخ الصدوق: ص414.

[10] كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ص644.

[11] الاحتجاج، الشيخ الطبرسي: ج2، ص283.

[12] المصدر السابق: ج2، ص284.

[13] مستدرك سفينة البحار، الشيخ النمازي : ج8، ص629.

[14] المصباح، الشيخ الكفعمي: ص404.