سلمان المحمدي (رضي الله عنه)

نشأ سلمان في أصفهان على المجوسية، ثم أعجبته المسيحية فهاجر إلى الشام، وعاش مع كبير علماء النصارى، ثم ذهب إلى العراق، ثم الى تركيا، حيث كان كبير علمائهم، فأخبره بأنه سيظهر نبي في بلاد العرب، فجاء سلمان إلى أرض العرب ينتظر ظهوره، فوجد جماعة من اليهود ينتظرونه أيضاً، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كان بين عيسى وبين محمد (صلى الله عليه وآله) خمسمائة عام، منها مائتان وخمسون عاماً ليس فيها نبي ولا عالم ظاهر، قلت: فما كانوا؟ قال: كانوا متمسكين بدين عيسى (عليه السلام)، قلت: فما كانوا؟ قال: كانوا مؤمنين، ثم قال: ولا تكون الأرض إلا وفيها عالم)[1].

وكان ممن ضرب في الأرض لطلب الحجة سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، فلم يزل ينتقل من عالم إلى عالم ومن فقيه إلى فقيه، ويبحث عن الأسرار ويستدل بالأخبار، منتظراً لقيام القائم سيد الأولين والآخرين محمد (صلى الله عليه وآله) أربعمائة سنة، حتى بشر بولادته فلما أيقن بالفرج خرج يريد تهامة فسبي، أي أخذ على أنه عبد وباعوه، ووجد سلمان في المدينة امرأة فارسية جاءت قبله تنتظر النبي الموعود (صلى الله عليه وآله)! «قال سلمان: لما قدمت المدينة رأيت امرأة إصبهانية كانت قد أسلمت قبلي، فسألتها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهي التي دلتني على رسول الله»[2].

نسبه:

ذكر ابن عساكر: أن اسم سلمان الفارسي هو روزبه بن يوذخشان بن مورشلا بن بهبوذان بن فيروز بن شهرك [3]، وقيل: إنه لما اجتمع مع نفر من الأعراب فسألوه عن نسبه، حيث يقول هذا: «أنا قرشي»، وذاك يقول: «أنا قيسي»، وذاك يقول: «أنا تميمي»، فقال:

أبي الإسلام لا أب لي سواه                 إذا افتخروا بقيس أو تميـم [4]

عطاؤه المبارك:

كان في كِبَره شيخاً مهيباً، يظفر الخوص ويجدله، ويصنع منه أوعية ومكاتل كثيرة، ولقد كان عطاؤه وفيراً بين أربعة آلاف وستة آلاف في العام، بيد أنه كان يوزعه كله ويرفض أن ينال منه درهماً، ويقول أشتري خوصاً بدرهم، فأعمله ثم أبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهما فيه، وأنفق درهما على عيالي، وأتصدق بالثالث، وكان سلمان (رضي الله عنه) في أعلى درجات الإيمان، بعد المعصومين (عليهم السلام) ، فعن عبد العزيز القراطيسي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (يا عبد العزيز، إن الإيمان عشر درجات، بمنزلة السلم، يُصعد منه مِرْقاةٌ بعد مرقاة، فلا يقولن صاحب الواحدة لصاحب الاثنتين لست على شئ، حتى تنتهي إلى العاشرة، ولا تُسقط من هو دونك فيُسقطك الذي هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك فارفعه إليك برفق، ولا تحملنَّ عليه ما لا يطيق فتكسره، فإنه من كسر مؤمناً فعليه جبره، وكان المقداد في الثامنة، وأبو ذر في التاسعة، وسلمان في العاشرة)[5].

وفي رجال الكشي: حمدويه بن نصير، عن أبي الحسين بن نوح، عن صفوان، عن ابن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أدرك سلمان العلم الأول والعلم الآخر، وهو بحر لا يُنزح، وهو منا أهل البيت، بلغ من علمه أنه مر برجل في رهط فقال له: يا عبد الله تب إلى الله عز وجل من الذي عملت به في بطن بيتك البارحة، قال: ثم مضى، فقال له القوم: لقد رماك سلمان بأمر فما رفعته عن نفسك، قال: إنه أخبرني بأمر ما اطلع عليه إلا الله وأنا)[6].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): حدثنا أحمد بن محمد عن العباس بن معروف والحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان علي (عليه السلام) محدثاً وكان سلمان محدثاً، قال: قلت فما آية المحدث قال يأتيه ملك فينكت في قلبه كيت وكيت)[7].

مؤاخاة النبي (صلى الله عليه وآله) بين سلمان وأبا ذر:

آخى النبي (صلى الله عليه وآله) بينه وبين أبي ذر: «واشترط على أبي ذر أن لا يعصي سلمان»[8].

كما آخى بينه وبين أبي الدرداء، فسكن أبو الدرداء الشام، وكانا يتراسلان ويتزاوران: «كتب أبو الدرداء إلى سلمان: أما بعد فإني أدعوك إلى الأرض المقدسة وأرض الجهاد، قال فكتب إليه سلمان: أما بعد فإنك قد كتبت إلي تدعوني إلى الأرض المقدسة وأرض الجهاد، ولعمري ما الأرض تقدس أهلها، ولكن المرء يقدسه عمله»[9] .

وكتب سلمان الى أبي الدرداء: «إنما العلم كالينابيع فينفع به الله من شاء، ومثل حكمة لا يتكلم بها كجسد لاروح له، ومثل علم لا يعمل به كمثل كنز لا ينفق منه، ومثل العالم كمثل رجل أضاء له مصباح في طريق، فجعل الناس يستضيئون به وكل يدعو له بالخير»[10].

سلمان والإمام الصادق (عليه السلام):

روى الشيخ الجليل أبو جعفر الطوسي (نور الله مشهده) في كتابه الأمالي عن منصور بن بزرج أنه قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): ما أكثر ما أسمع منك ذكر سلمان الفارسي فقال (عليه السلام): (لا تقل سلمان الفارسي ولكن قل: سلمان المحمدي، أتدري ما كثرة ذكري له؟) قلت: لا، قال (عليه السلام): (لثلاث خلال: أحدها إيثاره هوى أمير المؤمنين (عليه السلام) على هوى نفسه، والثانية حبه للفقراء واختياره إياهم على أهل الثروة والعدد، والثالثة حبّه للعلم والعلماء، إنَّ سلمان كان عبداً صالحاً حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين)[11].

كراماته:

وفي الخبر أنه: دخل أبو ذر على سلمان وهو يطبخ قدراً له فبينما هما يتحدثان إذا انكبّت القدر على وجهها على الأرض فلم يسقط من مرقها ولا ودكها (الدسم) شيء فعجب من ذلك أبو ذر عجباً شديداً وأخذ سلمان القدر ووضعها على وجهها حالها الأول على النار ثانية وأقبلا يتحدّثان، فبينما هما يتحدثان إذا انكبت القدر على وجهها فلم يسقط منها شيء من مرقها ولا ودكها، قال فخرج أبو ذر وهو مذعور من عند سلمان فبينا هو متفكر إذ لقي أمير المؤمنين (عليه السلام) [على الباب فقصّ عليه القصّة]، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

(يا أبا ذر إن سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت: رحم الله قاتل سلمان، يا أباذر إنَّ سلمان باب الله في الأرض من عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً وإن سلمان منا أهل البيت، وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): سلمان منّا أهل البيت)[12].

وفاته رضوان الله عليه:

توفي سلمان رضي الله عنه في سنة 36هـ في المدائن وحضر أمير المؤمنين (عليه السلام)
جنازته بطيّ الأرض فغسّله وكفّنه وصلى عليه ثم دفنه.

وكان سلمان (رضي الله عنه) يعلم بوفاته، عن ابن أبي عمير عن عمر بن يزيد، قال: «قال سلمان: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا حضرك أو أخذك الموت، حضر أقوامٌ يجدون الريح ولا يأكلون الطعام، ثم أخرج صرة من مسك فقال: هبةٌ أعطانيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: ثم بلها ونضحها حوله، ثم قال لامرأته: قومي أجيفي الباب، فقامت وأجافت الباب، فرجعت وقد قُبض رضي الله عنه»، حكي عن الفضل بن شاذان أنه قال: ما نشأ في الاسلام رجل من كافة الناس كان أفقه من سلمان الفارسي)[13].

وفي رواية أنه: (دخل وكشف الرداء عن وجهه فتبسّم سلمان إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له مرحباً يا أبا عبد الله إذا لقيت رسول الله فقل له ما مرّ على أخيك من قومك، ثم أخذ في تجهيزه فلما صلى عليه كنا نسمع من أمير المؤمنين (عليه السلام) تكبيراً شديداً وكنت رأيت معه رجلين فقال أحدهما جعفر أخي والآخر الخضر (عليه السلام)، ومع كل واحد منهما سبعون صفاً من الملائكة في كل صف ألف ألف ملك، ثم رجع (عليه السلام) في تلك الليلة الى المدينة)[14].

وقبر سلمان حالياً في المدائن في صحن كبير وهو مزار البادي والحاضر، وقد ذُكرت زيارته في هدية الزائرين ومفاتيح الجنان، فسلام على سلمان يوم هاجر ويوم أسلم وآمن ويوم مات ويوم يبعث حياً، والحمد لله رب العالمين.

مجلة بيوت المتقين العدد (17)

 


[1] كمال الدين الشيخ الصدوق: ص161.

[2] طبقات المحدثين بأصبهان لابن حبان: ج1، ص123.

[3] تاريخ دمشق: ج12.

[4] ربيع الأبرار الزمخشري: ج4، ص188.

[5] الخصال : 447.

[6] رجال الكشي الشيخ الطوسي: ج1، ص52.

[7] بصائر الدرجات الصفار: ص341.

[8] الكافي الشيخ الكليني: ج8، ص162.

[9] مصنف ابن أبي شيبة: ج8، ص182.

[10] مصنف ابن أبي شيبة: ج7، ص121.

[11] الأمالي الشيخ الطوسي: ص133.

[12] المناقب لابن شهرآشوب: ج1، ص85.

[13] رجال الكشي الشيخ الطوسي: ج1، ص68.

[14] مناقب آل أبي طالب بن شهر آشوب: ج2، ص131.