أنفسنا وأنفسكم

جاء في الآية (61) (آية المباهلة) من سورة آل عمران، وهي قوله تعالى:

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهَ عَلَى الْكَٰذِبِينَ)، والسؤال هو: من هو المقصود في قوله تعالى: (وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ

ذكرت جميع الفرق الإسلامية أن الآية الكريمة تدل على عظيم الفضل والمنزلة لأهل البيت(عليهم السلام)، خلا بعض المشكّكين ممن لا يروقهم سماع فضيلة من فضائل أهل البيت(عليهم السلام)، فيجمعوا أمرهم وشركاءهم في كل نقطة ضوء يحاولوا أن يطفئوا نورها بأفواههم وأقلامهم، وتأبى الإنسانية والعقل والتأريخ إلا تمام هذا النور الساطع البرهان القاطع، ولو كره المنافقون، فالحق يعلو ولا يُعلى عليه.

فأنكروا وغيّبوا ما استطاعوا من تلك الفضائل، فما ازدادت إلا نصوعاً وثباتاً، ولم تسلم منهم حتى ظواهر الآيات القرآنية، ومعانيها ودلالاتها الإلهية.

ومن هذا الباب محاولة البعض منهم إنكار أنّ المراد بـ(أَنفُسَنَا) الواردة في الآية الكريمة هو الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وبتوجيه واهن فسر النفس هنا أنها نفس الرسول(صلى الله عليه وآله) وليس المقصود منها أمير المؤمنين(عليه السلام).

والذي يبحث عن أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) هو نفس النبي(صلى الله عليه وآله) يجدها حتى في غير الآية الكريمة، فقد صرح رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّ عليّاً(عليه السلام) هو كنفسه صلوات الله عليه في مواطن عديدة.

منها: ما جاء في (مجمع الزوائد) للهيثمي: ج9، ص163، عن النبي (صلى الله عليه وآله): «أو لأبعثنَّ إليكم رجلاً منّي أو كنفسي يضرب أعناقكم، ثم أخذ بيد عليّ، فقال: هذا».

وفي (المصنف) للصنعاني: ج11، ص226، عن عبد الله بن حنطب، قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لوفد ثقيف حين جاؤوا: «لتسلمنّ أو لنبعثن رجلاً منّي - أو قال: مثل نفسي - فليضرب أعناقكم، وليسبينّ ذراريكم، وليأخذنّ أموالكم»، فقال عمر: فوالله ما تمنيت الإمارة إلاّ يومئذ، جعلت أنصب صدري رجاء أن يقول: هو هذا. قال: فالتفت إلى عليّ، فأخذ بيده ثم قال: «هو هذا، هو هذا».

وفي (المصنف) لابن أبي شيبة: ج7، ص499، «اللهم أنا أو كنفسي، ثم أخذ بيد عليّ».

وفيه أيضاً ج8، ص498، قال(صلى الله عليه وآله): «أَوْ لأَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلا مِنِّي، أَوْ كَنَفْسِي، فَلَيَضْرِبُنَّ أَعْنَاقَ مُقَاتِلِيهِمْ، وَلَيَسْبِيُنُّ ذَرَارِيَّهُمْ، قَالَ: فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: هَذَا».

ولو رجعنا إلى الآية الكريمة نجد أنّ الثابت عند الفريقين أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) لم يخرج للمباهلة سوى عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، وقد أشار إلى فاطمة بكلمة (نِسَاءَنَا)، وإلى الحسن والحسين بـ(أَبنَاءَنَا)، ولم يبق لعليّ(عليه السلام) سوى كلمة (أَنفُسَنَا).

ولا يصح أن يقال أنّ المراد بـ(أَنفُسَنَا) هو رسول الله(صلى الله عليه وآله)؛ لأنّه لا معنى لأن يدعو نفسه، بل المدعو لابد أن يكون غيره؛ إذ لا يمكن اتحاد الداعي والمدعو.

مجلة اليقين العدد (39)