قال أبو الصلت الهروي: لما جمع المأمون العباسي للإمام الرضا (عليه السلام) أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر الملل والنحل، فلم يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجته كأنه ألقم حجراً[1].
فقام إليه علي بن محمد بن الجهم وكان من بين الحضور فقال للإمام الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء؟
قال الإمام الرضا (عليه السلام): نعم
فقال ابن الجهم: فما تعمل في قوله تعالى: (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)[2]، (وَذَا النُّون إذ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نقدِر عَلَيه)[3]، (وَلَقَد هَمَّت بِه وَهَمَّ بِها)[4]، وقوله تعالى في رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله): (وَتُخفي في نَفسِكَ ما اللهُ مُبديهِ)[5].
فقال الإمام الرضا (عليه السلام): ويحك يا ابن الجهم اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش، ولا تَتأوَّل كتاب الله برأيك فقد قال تعالى: (وَمَا يَعلمُ تَأوِيلَهُ إلاّ اللهُ والراسِخُونَ)[6].
فأما قوله تعالى في آدم: (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة، ولم يخلقه للجنة، ومعصيته في الجنة لا في الأرض، وعصمته إنما تجب في الأرض ليتم مقادير أمر الله، فلما أُهبط إلى الأرض عُصم بقوله تعالى: (إنَّ اللهَ اصطَفى آدَمَ ونُوحاً وآل إِبراهيمَ وآلَ عمرانَ على العالَمِين)[7].
وأما قوله تعالى: (وَذَا النُّون إذ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نقدِر عَلَيه) إنّما ظن بمعنى استيقن أن الله لن يُضيّق عليه رزقه، ألم تسمع قوله سبحانه: (وأَمَّا إذا مَا ابتلاَه رَبه فَقَدَرَ عليهِ رِزقَه) [8] أي ضَيَّقَ عليه رزقه، ولو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر.
وأما قول الله في يوسف: (وَلَقَد هَمَّت بِه وَهَمَّ بِها) فإنّها همَّت بالمعصية وهمَّ يوسف بقتلها إن أجبرته لِعظم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة، بقوله عز وجل: (كَذَلِكَ لِنصرِفَ عَنهُ السُّوءَ والفَحشَاءَ)[9] يعني القتل والزنا.
وأما جدّي (صلى الله عليه وآله) وقول الله عز وجل فيه: (وَتُخفي في نَفسِكَ ما اللهُ مُبديهِ وَتخشَى النَّاس واللهُ أحقُّ أن تَخشاه)[10] فإنَّ الله عز وجل عرّف نبيه(صلى الله عليه وآله) أسماء أزواجه في دار الدنيا وأسماء أزواجه في دار الآخرة وأنهن أُمّهات المؤمنين، واحد من سُمّى له زينب بنت جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة فأخفى أسمها في نفسه ولم يبده لكيلا يقول أحد من المنافقين: إنَّه قال في امرأة في بيت رجل إنَّها إحدى أزواجه من أُمَّهات المؤمنين، وخشي قول المنافقين، فقال الله عزّ وجل: (وَتخشَى النَّاس واللهُ أحقُّ أن تَخشاه) يعني في نفسك، وإن الله عزّ وجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلاّ تزويج حواء من آدم(عليه السلام) وزينب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله: (فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِنهَا وطراً زوَّجنَاكهَا)[11]، وفاطمة من علي (عليهما السلام).
فبكى ابن الجهم وقال: يا ابن رسول الله، أنا تائب إلى الله عز وجل من أن أنطق في أنبياء الله: بعد يومي هذا إلاّ بما ذكرته[12].
مجلة اليقين، العدد (23)، الصفحة (8 - 9).