طائفة الفريسيين

في مقالنا هذا نتناول الطّائفة الثّانية من الطّوائف اليهودية التي تسمّى طائفة الفريسيين أو الرّبانيين، وتعدّ هذه الطّائفة هي إحدى الطّوائف الدّينية اليهودية الرّئيسة، التي كانت معروفة عند اليهود وحتّى مجيء المسيح (عليه السلام)، كما أنّها من أكبر الطّوائف اليهودية وأكثرها عدداً وأتباعاً.

الفريسيون (شاسديم):

هي كلمة آرامية تدلّ على الانعزال والانشقاق من جهة، ومن جهة أُخرى تدلّ على الانقياد والخضوع والالتزام بالحياة اليهودية، وكلمة (فريسيون) مشتقّة من كلمة (فروشيم) العبرية، ومعناها: المختارون أو الصفوة؛ لأنّهـم  يعدّون أنفسهم مختارين من اليهود؛ لاختصاصهم بمعرفة الشّريعة ـ بحسب زعمهم ـ، فإذا كـان اليهود عامة يعدّون أنفسهم شعب الله المختار، فهؤلاء هم صفوة شعب الله المختار، ويُسمّون أنفسهم بـ(الأحبار)، أو (الرّبانيين)، أو (الإخوة في الله)، ظهرت هذه الطّائفة قبل نحو قرنين من ميلاد المسيح، وهم يشكّلون الآن غالبية اليهود، ويرجع أصل هذه الطّائفة إلى طائفة حسيديم (الحريديم)، أيْ: الزّاهدين.

لدى هذه الطائفة فقهاء دينيون إذا اختلفوا في مسـألة فقهيـة، زعموا أنّ اﷲ يوحي إليهم بصوت يسمعه جمهورهم، يقول: الحقّ في هذه المسألة مـع الفقيـه فلان، ثمّ أضفوا على أنفسـهم ألقـاب الكرامة، والتبجيل، والعلم، فكانوا يسمّون أنفسهم (السوفريم)، أيْ: الفقهاء، و(الشابمهيريم)، أيْ: المفكّرين الأحرار، و(الثالميدي شكايم)، أي: تلاميذ الحكماء[1].

طبيعة معتقداتهم:

نَزَّهتْ هذا الطّائفة اللهَ تعالى عن الجسم والصفات الجسمانية، واختارت حلّاً وسطاً في الإرادة الإنسانية، واعتقدت بالبعث والعدل الإلهي، وأوّلت أهمية للصلاة وسائر العبادات، وآمنت بالتّوراة الشّفوية التي جمعت في التّلمو، وبعصمة الحاخامات، وتمنحهم سلطة عليا، وتنظر إلى أقوالهم كأنّها صادرة عن الله، ويرون أنّ مخافتهم هي مخافة الله، وزعموا أنّ الله كان يخاطب جميعهم في كلّ مسألة بالصّوت الذي يسمّونه (بث قول)، وأوهموا أتباعهم بأنّ الذّبائح لا يحلّ منها إلّا ما كان على الشّروط التي ذكروها، فإنّ سائر الأُمم لا تعرف هذا، وأنّه شيء خُصُّوا به ومُيّزوا به عمَّن سِواهم، وأنّ الله شرَّفهم به كرامةً لهم؛ فصار الواحد منهم ينظر إلى مَن ليس على نِحلته كما ينظر إلى الدابة، وينظر إلى ذبائحه كما ينظر إلى الميتة.

كما أنّهم يؤمنون بالبعث والملائكة والعالم الآخر، ويعتقدون أنّ دولة اليهود لا بدّ أنّ تستعيد مكانتها، ويتمسّكون بالعقيدة القديمة ويعارضون الأنبياء الذين ظهروا في مدّة الأسر وبعده، كما أنّهم كانوا من أشدّ خصوم السيّد المسيح (عليه السلام)، وهم الذين حاولوا إصدار مرسوم ملكي لصلبه، كما كان لهم مُحاوَلات لقَتله واغتياله[2].

مظهرهم وعاداتهم:

يعيشون في مظاهرهم مظهر الزّاهد والمتصوّف، لا يتزوّجون، ويُحافظون على وجودهم بطريق التبنّي، وكانوا  على رأس علماء الشّريعة التي لها الكلمة العليا في توجيه المجتمع اليهودي على عهد المسيح(عليه السلام)، وهم طائفة اعتزلت عن الجمهور اليهوديّ، ويلقّبون أنفسهم بالأتقياء، كما أنّهم يختلفون عن باقي الفرق الأُخرى من تقييد عبادتهم عند الهيكل، فهؤلاء يقولون بإمكان اليهودي ممارسة عبادته في أيّ مكان دون التقيّد بالهيكل[3].

موقف المسيح من الفريسيين:

عندما رأى الفريسيون تمسّك السيّد المسيح(عليه السلام) بالنّاموس، وإعلانه التمسّك به والدفاع عنه، قبلوه وأرسلوا إليه يستوضحونه عن فحوى رسالته، وبعد أن رأوا شعبية السيّد المسيح تطغى على شعبيتهم، بدأوا يشعرون بالغيرة منه والتشكيك في رسالته، وحاولوا الانقضاض عليه عندما أعلن عن لاهوته، فقال(عليه السلام) واصفاً إيّاهم: إنّهم يعملون بغير ما يعلّمون، وإنّ أعمالهم مظهرية، ويعشقون المجد الباطل، ومديح النّاس لهم، ويغلقون ملكوت السّمــوات قُدّام النّاس، ويأكلون بيوت الأرامل، ويطيلون الصّلوات، ويحاولون اقتناص النّفوس لهم، ومن يقتنصونه يصيّرونه ابناً لجهنّم، ويفسّرون الوصايا كما يحلو لهم، وإنّهــم قــادة عميان، فهم أبناء قتلة الأنبياء(عليهم السلام)، ولهذا بدأوا يتآمرون عليه، وحتّى بعد صلبه وقيامته -كما يعتقد المسيحيون، وإلا فالإسلام يرى أن الله تعالى رفعه إليه- لم يشفِ غليل الفريسيين، بل راحوا يضطهدون أولاده في الكنيسة اضطهاداً قاسياً[4].

المصدر: مجلة اليقين العدد (60)

 


[1] ينظر: الفصل في الملل والأهواء والنّحل، ابن حزم الأندلسي: ج1، ص103.

[2] ينظر: اليهود تاريخاً وعقيدةً، كامل سعفان: ص262.

[3]ينظر: اليهودية، أحمد شلبي: ص227.

[4] ينظر: اليهود واليهودية، علي عبد الواحد وافي: ص٩٢.