- عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُه عَنْ عِلْمِ الْعَالِمِ فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ إِنَّ فِي الأَنْبِيَاءِ والأَوْصِيَاءِ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ رُوحَ الْقُدُسِ ورُوحَ الإِيمَانِ ورُوحَ الْحَيَاةِ ورُوحَ الْقُوَّةِ ورُوحَ الشَّهْوَةِ فَبِرُوحِ الْقُدُسِ يَا جَابِرُ عَرَفُوا مَا تَحْتَ الْعَرْشِ إِلَى مَا تَحْتَ الثَّرَى ثُمَّ قَالَ يَا جَابِرُ إِنَّ هَذِه الأَرْبَعَةَ أَرْوَاحٌ يُصِيبُهَا الْحَدَثَانُ إِلَّا رُوحَ الْقُدُسِ فَإِنَّهَا لَا تَلْهُو ولَا تَلْعَبُ»[1].
2- عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله(عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُه عَنْ عِلْمِ الإِمَامِ بِمَا فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ وهُوَ فِي بَيْتِه مُرْخًى عَلَيْه سِتْرُه فَقَالَ: «يَا مُفَضَّلُ إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى جَعَلَ فِي النَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله) خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ رُوحَ الْحَيَاةِ فَبِه دَبَّ ودَرَجَ ورُوحَ الْقُوَّةِ فَبِه نَهَضَ وجَاهَدَ ورُوحَ الشَّهْوَةِ فَبِه أَكَلَ وشَرِبَ وأَتَى النِّسَاءَ مِنَ الْحَلَالِ ورُوحَ الإِيمَانِ فَبِه آمَنَ وعَدَلَ - ورُوحَ الْقُدُسِ فَبِه حَمَلَ النُّبُوَّةَ فَإِذَا قُبِضَ النَّبِيّ(صلى الله عليه وآله)ُ انْتَقَلَ رُوحُ الْقُدُسِ فَصَارَ إِلَى الإِمَامِ ورُوحُ الْقُدُسِ لَا يَنَامُ ولَا يَغْفُلُ ولَا يَلْهُو ولَا يَزْهُو، والأَرْبَعَةُ الأَرْوَاحِ تَنَامُ وتَغْفُلُ وتَزْهُو وتَلْهُو ورُوحُ الْقُدُسِ كَانَ يَرَى بِه»[2].
3- عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله(عليه السلام):
«يَا جَابِرُ إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ وهُوَ قَوْلُ الله عَزَّ وجَلَّ: (وكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ). فَالسَّابِقُونَ هُمْ رُسُلُ الله(عليهم السلام) وخَاصَّةُ الله مِنْ خَلْقِه جَعَلَ فِيهِمْ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ أَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الْقُدُسِ فَبِه عَرَفُوا الأَشْيَاءَ وأَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الإِيمَانِ فَبِه خَافُوا الله عَزَّ وجَلَّ وأَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الْقُوَّةِ فَبِه قَدَرُوا عَلَى طَاعَةِ الله وأَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الشَّهْوَةِ فَبِه اشْتَهَوْا طَاعَةَ الله عَزَّ وجَلَّ وكَرِهُوا مَعْصِيَتَه وجَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الْمَدْرَجِ الَّذِي بِه يَذْهَبُ النَّاسُ ويَجِيؤُونَ وجَعَلَ فِي الْمُؤْمِنِينَ وأَصْحَابِ الْمَيْمَنَةِ رُوحَ الإِيمَانِ فَبِه خَافُوا الله وجَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الْقُوَّةِ فَبِه قَدَرُوا عَلَى طَاعَةِ الله وجَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الشَّهْوَةِ فَبِه اشْتَهَوْا طَاعَةَ الله وجَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الْمَدْرَجِ الَّذِي بِه يَذْهَبُ النَّاسُ ويَجِيؤُونَ»[3].
الشرح:
قال عز وجل: (وكُنْتُمْ) أي: وكنتم عند الحشر أصنافاً ثلاثة، لا أكثر ولا أقلّ، كلّ صنف في مرتبة، وإن كانت تحته مراتب متفاوتة.
وقال تعالى: (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ). الاستفهام للتعجّب من علوّ حالهم، والتفخيم لرفعة شأنهم، وهم الذين كانوا عند أخذ الميثاق من أصحاب اليمين، أو الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم، أو الذين يكونون على يمين العرش، لأنّ الجنّة على يمينه، أو الذين يكونون من أهل اليّمن والبركة، وأصحاب المشئمة على خلاف ذلك كلّه.
وقال عز ذكره: (والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) إشارة إلى المقامات العليّة، والمراتب السنيّة، بالحكمة النظرية والعملية، وإلى الأصناف الثلاثة أشار أمير المؤمنين(عليه السلام) بقوله: «سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا، وطَالِبٌ بَطِيءٌ رَجَا، ومُقَصِّرٌ فِي النَّارِ هَوَى»[4].
وقوله(عليه السلام): «وخَاصَّةُ الله مِنْ خَلْقِه». هم الذين سبقوا في حيازة الفضل والكمالات، وبلغوا أقصى المراتب في العمل والخيرات، وأفضلهم علماً، وأكملهم عملاً، وأشرفهم أخلاقاً علي بن أبي طالب(عليه السلام) باتفاق الأُمّة.
وقوله(عليهم السلام): «جَعَلَ فِيهِمْ». أي جعل الله تعالى بالحكمة البالغة والمصلحة الكاملة في الرسل والخاصة خمسة أرواح لحفظهم من الخطأ والخلل، وتكميلهم بالعلم والعمل؛ ليكون قولهم صدقاً وبرهاناً، والاقتداء بهم رشداً وإيقاناً؛ كيلا يكون لمن سواهم على الله حجّة يوم القيامة، ولعلّ المراد بالأرواح هنا النفوس، قال الشيخ الصدوق في كتاب الاعتقاد: النفوس: الأرواح التي بها الحياة، وهي الخلق الأول لقوله(صلى الله عليه وآله): «إن أوّل ما أبدع الله سبحانه وتعالى هي النفوس المقدّسة المطهّرة فأنطقها بتوحيده، ثم خلق بعد ذلك سائر الخلق». وهي خلقت للبقاء لا للفناء لقوله: «ما خلقتم للفناء، بل خلقتم للبقاء وإنّما تنقلون من دار إلى دار وأنها في الأرض غريبة وفي الأبدان مسجونة»[5].
وروي في كتاب العلل بإسناده عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): لأيّ علّة جعل الله عزّ وجلّ الأرواح في الأبدان بعد كونها في ملكوتها الأعلى في أرفع محل؟ فقال(عليه السلام): «إنّ الله تبارك وتعالى علم أن الأرواح في شرفها وعلوّها متى ما تركت على حالها نزع أكثرها إلى دعوى الربوبية دونه عزّ وجلّ الحديث»[6].
وقال الشيخ بهاء الملّة والدين في الأربعين: المراد بالروح ما يشير إليه الإنسان بقوله: أنا، أعنى النفس الناطقة وهو المعنيّ بالروح في القرآن والحديث، وقد تحيّر العقلاء في حقيقتها واعترف كثير منهم بالعجز عن معرفتها حتى قال بعض الأعلام: إن قول أمير المؤمنين(عليه السلام): «من عرف نفسه فقد عرف ربّه»[7]. معناه أنه كما لا يمكن التوصل إلى معرفة النفس لا يمكن التوصّل إلى معرفة الربّ وقوله عزّ وعلا: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)[8].
وممّا يعضد ذلك والذي عليه المحقّقون أنها غير داخلة في البدن بالجزئية والحلول بل هي بريئة عن صفات الجسمية منزّهة عن العوارض المادية...
وقال عياض: روي عن علي(عليه السلام) أن الروح في الآية ملك من الملائكة، وقيل: هو القرآن وقيل هو جبرئيل، وقيل: خلق كخلق بني آدم.
إذا عرفت هذا فنرجع إلى المقصود فنقول والله أعلم: كما أن الروح يعني أن النفس الناطقة تسمّى مطمئنّة ولوّامة وأمّارة بالسّوء باعتبارات مختلفة كذلك تسمّى روح المدرج، باعتبار أنها مصدر للذهاب والمجيء وسبب للحركة في الحوائج، وروح الشهوة، باعتبار أنها مع القوّة الشهوية تشتهي طاعة الله تعالى والإتيان بالحلال من النساء وغير ذلك، وروح القدرة، باعتبار أنها تقدر بسبب القدرة المعدّة لها على الإتيان بما تشتهيه، وروح الإيمان، باعتبار أن الإيمان والعدل والخوف من الله تعالى يتحقّق بها، وروح القدس، باعتبار اتّصافها بالقوّة القدسية التي تتجلّى فيها بالغيب وأسرار الملكوت المختصة بالأنبياء والأوصياء، وهم بسببها عرفوا الأشياء كلّها كما هي وصاروا من أهل التعليم والإرشاد.
مجلة بيوت المتقين العدد (88)