الصحابة عند الشيعة

إن عدد صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر من مائة ألف صحابي، وهم داخلون في الضابطة العامة ضمن قوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[1] فإن الآية الكريمة تصرّح أن الناس لا يتفاضلون إلاّ بالتقوى دون استثناء، فكل المسلمين يعلمون منزلة أبي لهب عم النبي (صلى الله عليه وآله) حسب هذه الآية، فنزل فيه قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)[2]، فلم يكن للعنصر النَسَبِي دورٌ في الحكم، والميزان الحقيقي عند الله تعالى إنما هو التقوى. لذا فإن الشيعة الإمامية تحترم كلّ صحابي آمن بالله ورسوله، وعمل صالحاً، ولم يَتَبَدّل أو يُبَدِّل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وعليه متى ما ثبت انحراف أحد من الصحابة فإن الشيعة تخرجه من دائرة الاحترام فيما انحرف فيه من الاعتقاد أو السلوك، خصوصاً وإن جميع الفِرَق الإسلامية تنفي العصمة عن غير أنبياء الله (عليهم السلام)، بل وردت أخبار تشير الى هذا المعنى، منها قوله (صلى الله عليه وآله): «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا» وفي رواية «فَلَأَقُولَنَّ: أَي رَبِّ أُصَيحَابِي أُصَيحَابِي»[3]، هذا هو موقف الشيعة ممن يخالف الكتاب ويغيّر السنّة النبوية.

وفي المقابل يكون الموقف إيجابيّاً ممن ثبت على المبادئ الإسلامية وحمل الهوية الصحيحة للدين وهو أمر طبيعي لكل ذي لب، وعلى هذا الأساس كان موقف الشيعة من أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، والحسن(عليه السلام)، والحسين(عليه السلام)، وفاطمة الزهراء (عليها السلام) فإنّ الشيعة تقدّسهم وتعظّمهم فضلاً عن اعتقادهم بعصمتهم بنصّ القرآن الكريم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[4].

فالشيعة تحبّ وتعظّم وتقدّس كلّ صحابي مؤمن ملتزم قد عمل الصالحات، ووفّى لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بحقّ الصحبة.

فإنّ المعتبر هو الموقف العقائدي والسلوك العبادي كما أشار إليه قوله تعالى في الحديث عن العلاقة بين النبي نوح (عليه السلام) وابنه: (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)[5].

وقد عمل أهل البيت (عليهم السلام) بهذه الضابطة القرآنية في تقييم المسلم فقد ورد عن أَبي الْحَسَنِ - الإمام الكاظم - (عليه السلام): «أَنْتَ أَخِي مَا أَطَعْتَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّ نُوحاً (عليه السلام) قَالَ: ( ... رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)[6]، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ: (... يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ...)[7]، فَأَخْرَجَهُ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِهِ بِمَعْصِيَتِهِ».

رضي الله تعالى عن المؤمنين أجمعين (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[8].

مجلة اليقين العدد (16)

 


[1] الحجرات: 13.

[2] المسد: 1.

[3] مستند أحمد: ج8، ص467.

[4] الأحزاب: 33.

[5] هود: 46.

[6]هود: 45.

[7] هود: 46.

[8] الحشر: 10.