قال الشعبي ـ عامر بن شراحيل وهو محدّث وراو: كنت مع الحجاج بن يوسف الثقفي في مدينة واسط العراق وحضرت صلاة عيد الأضحى معه، فخطب خطبةً بليغة، فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته.
فقال الحجاج: هذا يوم أضحى، وقد أردت أن أضحي برجل من أهل العراق، وأحببت أن تسمع قوله، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيه.
فقال الشعبي: أرى أن تستن بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتضحي بما ضحى به، وتدع ما أردت فعله ليوم غيره.
فقال الحجاج: إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه، لكذبه على الله ورسوله.
قلت: أفيرى الاَمير أن يعفيني من ذلك؟
قال: لا بدّ منه.
ثم أمر الحجاج بنطع فبسط، وبالسيَّاف فأُحضر، وقال: أحضروا الشيخ.
فأتوا بيحيى بن يعمر ـ أبو سليمان يحيى بن يعمر العامري البصري، ولد في البصرة، وهو أحد قرّائها وفقهائها، كان عالماً بالقرآن والفقه والحديث والنحو.
فقال الشعبي: أغممت غماً شديداً، وقلت في نفسي: وأي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله؟
فقال الحجاج ليحيى: أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق؟
قال يحيى: أنا فقيه من فقهاء أهل العراق.
فقال الحجاج: أفمن فقهك زعمت أن الحسـن والحسـين (عليهما السلام) من ذرية رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟.
قال يحيى: ما أنا زاعم، بل قائل بحق.
قال الحجاج: وبأي حق قلته؟
قال يحيى: بكتاب الله.
فنظر الحجاج للشعبي، وقال له: اسمع ما يقول، أتعرف في كتاب الله أن الحسن والحسين (عليهما السلام) من ذرية محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
فقال الشعبي: جعلت أفكر، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك.
فقال الحجاج ليحيى: لعلك تريد قول الله عز وجل: (فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أَبناءَنا وَأَبْنَاءَكم وَنِساءَنا ونِساءَكُم وأنفُسَنا وأنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهل فَنَجعَل لَعنةَ اللهِ على الكاذبينَ)[1]، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام).
قال الشعبي: قد خلص يحيى ونجا.
فقال يحيى للحجاج: والله، إنها لحجة في ذلك بليغة، ولكن ليس منها أحتج لما قلت.
فاصفرَّ وجه الحجاج، وأطرق ملياً ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال: إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك، فلك عشرة آلاف درهم، وإن لم تأت بها فأنا في حلٍ من دمك.
فقال يحيى: نعم، بقوله تعالى: (وَمِن ذُرِّيتهِ دَاوُدَ وَسليمانَ)[2]، من عنى بذلك؟
قال الحجاج: إبراهيم (عليه السلام).
قال يحيى: فداود وسليمان من ذريته؟
قال الحجاج: نعم.
قال يحيى: ومن نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته؟ فقرأ يحيى: (وَأيّوب وَيوسفَ وَموسى وَهارونَ وَكذلِكَ نَجزي المُحسنين)[3].
قال يحيى: ومن ؟
قال الحجاج: (وَزكريا وَيَحيى وَعِيسى)[4].
قال يحيى: ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم (عليه السلام)، ولا أب له؟
قال الحجاج: مِن قِبَل أُمّه مريم (عليها السلام).
قال يحيى: فمن أقرب: مريم من إبراهيم (عليهما السلام) أم فاطمة (عليها السلام) من محمد (صلى الله عليه وآله)؟ وعيسى من إبراهيم (عليهما السلام)، أم الحسن والحسين (عليهما السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
فقال الحجاج: أطلقوه قبّحه الله، وادفعوا له عشرة الآف درهم.
ثمّ قال الحجاج للشعبي: قد كان رأيك صواباً ولكنّا أبيناه، ودعا بجزور فنحره، وطلبا لطعام فأكل وأكلنا معه، وما تكلّم بكلمة حتى افترقنا.
مجلة اليقين، العدد (21)، الصفحة (8 - 9).