قالَ إِمامُنا الحُسين(عليه السلام): «فإِنّي لا أَعْلمُ أَصْحَابَاً خَيْراً مِنْ أَصْحَابي، وَلا أَهْلَ بَيْتٍ أَبرَّ وَأَوْفَى مِنْ أَهْلِ بَيْتي»[1]، في هذا العدد سنتناول شيئاً من عقيدة الصَّحابي الجليل بُريرِ بنِ خُضير الهَمْداني(رضي الله عنه)، الذي كان ولا زال وسيبقى نجماً لامعاً في سماء العقيدة.
برير بن خضير الهمداني المشرقي، ينتمي إِلى بني مَشْرِق، وهم من بَطْنِ قبيلةِ هَمْدان اليَمَانِيّة، سكنوا الكوفة، وكان شُجاعاً تَابعياً حظي بصحبة أَمير المؤمنين(عليه السلام)، وقد سلّم على قبيلتهِ رسولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) بقولهِ: «السَّلامُ على هَمْدَان»[2]، ولأَمير المؤمنين(عليه السلام) مدحٌ بحقهم:
فَلَو كنتُ بَوّاباً على بابِ جَنّةٍ لَقلتُ لهَمْدانَ: ادخُلُوا بِسَلامِ[3].
كان(رضي الله عنه) ناسكاً، قارئاً ومفسراً للقرآن، وهو من شيوخ القرّاء، حتّى لقب بـ (سيد القراء أو اقرأ أهل زمانه)، وكانت له بصيرةٌ كاملةٌ ويقينٌ صادقٌ في اتّباعه لأهل بيت النبوة وموضع الرسالة، فقد كشفت أفعاله وأقواله عن عمق عقيدته وصفاء بصيرته، فهو القائل للإِمام الحُسين(عليه السلام): «واللهِ يا بنَ رسولِ اللهِ، لَقَدْ مَنَّ اللهُ بِكَ عَليْنَا أَنْ نُقاتِلَ بَيْنَ يديكَ، تُقْطَّعُ فِيكَ أَعْضَاؤُنَا، ثُمَّ يَكُونُ جَدُّك شَفيعَنا يَوْمَ القِيَامَةِ بَيْنَ أَيدِينَا، لَا أَفْلَحَ قَوْمٌ ضَيّعُوا ابنَ بِنْتِ نَبِيِّهم! أُفٍّ لَهُم! غَدَاً مَاذَا يُلاقُون؟! يُنادُونَ بالوَيل والثُّبور في نَارِ جَهَنَّمَ»[4].
وهو الذي أَمره الإِمام الحُسين(عليه السلام) بنُصحِ القوم بقوله: «كَلِّمِ القَومَ يا بُرَيرُ وَانصَحهُم»، فبرز وقال لهم: «يا هؤُلاءِ اتَّقُوا اللهَ، فَإِنَّ ثَقَلَ مُحَمَّدٍ(عليه السلام) قَد أَصبَحَ بَينَ أَظهُرِكُم، هؤُلاءِ ذُرِّيَّتُهُ، وعِترَتُهُ، وَبناتُهُ، وحَرَمُهُ»[5]، وهذا الموقف يكشف عن ثقة الإِمام الحسين(عليه السلام) بدينه وإِخلاصه وموعظته المؤثرة، وإِلا ما طَلَب منه المعصومُ ذلك.
وأَما استشهاده (رضي الله عنه) فقد ذكر أَرباب المقاتل: أَن كعبَ بن جابر الأزْديّ (لع) هو الذي أَجهز على سيد القراء وقتلَهُ، وعند رجوع ذلك اللعين إِلى امرأته (النَّوار) قالت له: أَعَنْتَ على ابنِ فاطمة، وقتلتَ سيّدَ القرّاء (أَي: بريراً)؟! لقد أَتَيتَ عظيماً من الأَمر! واللهِ لا أُكلّمك من رأسي كلمةً أَبداً، لمعرفتِها بمقامهِ ودرجتهِ عند اللهِ تعالى، فالسَّلامُ عليهِ يومَ وُلِدَ ويومَ استُشْهِدَ، ويومَ يبعثُ حَيّاً.
المصدر: مجلة اليقين العدد (42)، الصفحة (11).