(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[1].
هذه الآية تكمل البحث في الآية السابقة وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ...). وتضيف شروط أخرى من أجل ضبط التعامل بين المتعاقدين، وتبين بعض الأحكام الشرعية، والتي منها:
1- عند التعامل إذا لم يكن هناك من يكتب لكم عقودكم، كأن يقع ذلك في سفر، عندئذ على المدين أن يضع شيئاً عند الدائن باسم الرهن لكي يطمئن الدائن.
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ): قد يبدو من ظاهر الآية لأول وهلة أن تشريع (قانون الرهن) يختص بالسفر، ولكن بالنظر إلى الجملة التالية وهي: (وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا)، يتبين أن القصد هو بيان نموذج لحالة لا يمكن الوصول فيها إلى كاتب، وعليه فللطرفين أن يكتفيا بالرهن حتى في موطنهما.
وكذلك وردت الأحاديث عن أهل البيت(عليهم السلام)، وفي المصادر الشيعية والسنية أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) رهن درعه في المدينة عند شخص غير مسلم واقترض منه مبلغاً من المال.
2- يجب أن يبقى الرهن عند الدائن حتى يطمئن: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ): جاء في بعض المصادر أن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «لا يكون الرهن إلا مقبوضاً»(دعائم الإسلام، القاضي النعمان: ج2، ص82).
3- جميع هذه الأحكام - من كتابة العقد، واستشهاد الشهود، وأخذ الرهن - تكون في حالة عدم وجود ثقة تامة بين الجانبين، وإلا فلا حاجة إلى كتابة عقد، وعلى المدين أن يحترم ثقة الدائن به، فيسدد دينه في الوقت المعين، وأن لا ينسى تقوى الله فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه.
4- على الذين لهم علم بما للآخرين من حقوق في المعاملات أو في غيرها، إذا دعوا للإدلاء بشهادتهم أن لا يكتموها، لأن كتمان الشهادة من الذنوب الكبيرة.
(وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ): طبيعي أن الشهادة تجب علينا إذا لم يستطع الآخرون إثبات الحق بشهادتهم، أما إذا ثبت الحق فيسقط وجوب الإدلاء بالشهادة عن الآخرين، أي أن أداء الشهادة واجب كفائي.
وبما أن كتمان الشهادة والامتناع عن الإدلاء بها يكون من أعمال القلب، فقد نسب هذا الإثم إلى القلب، فقال: (فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ) ومرة أخرى يؤكد في ختام الآية ضرورة ملاحظة الأمانة وحقوق الآخرين: (وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[2].
مجلة بيوت المتقين العدد (97)