(فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[1].
يجب أن تستند أفكار الإنسان إلى منابع معرفة صحيحة ومستقيمة، ورصينة متينة في نفس الوقت، ولابد للإنسان أن يعلم أيضاً كيف يتواصل مع روافد الثقافة، وكيف تتكوّن لديه محصّلة معرفية غنية، يستعملها في إنجاح مشروع حياته، ويتّقي بها الفشل، والتلكؤ في صناعة شخصيته وذاته.
وتعتبر الروح موطن الفكر والثقافة لدى الإنسان، وليس الجسد إلا أداة تتعامل بها الروح مع المحيط الخارجي، وسنحاول بيان هذا الأمر بعبارات أسهل وأقرب إلى الأفهام، إن شاء الله تعالى.
ان للإنسان له ثلاث حركات:
حركة مكانية: وهي انتقال الإنسان من مكان إلى مكان.
حركة كيفية: هي حصول النقل في صفات الإنسان، الإنسان كان قصيراً أصبح طويلاً، نحيفاً أصبح بديناً، وغير ذلك.
فهو ينتقل من القِصَر إلى الطول، ومن النحافة إلى البدانة، ومن الصحّة إلى المرض وغير ذلك.
حركة جوهرية: ويمكن إيضاح هذه الحركة ببعض الأمثلة، كما يحصل عليه الإنسان بواسطة العبادة أو بواسطة الثقافة، ففي العبادة تحصل الحركة الجوهرية من النقص إلى الكمال، ومن البعد إلى القرب من الله تعالى.
أما الثقافة والتعلّم فهي حركة جوهرية للروح أيضاً، فهي تنتقل من عالم المجهولات إلى عالم المعلومات ومن معلومات عامة إلى معلومات خاصة تفصيلية، ومن مساحات ذهنية غامضة آفاق واسعة.
من هنا نقول إن الثقافة كمالٌ ونموّ، فالروح تتحرك من وضع الدنو والنقص إلى وضع الكمال، قال الله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[2]، فليس من تتحرك روحه من درجة إلى درجة، ومن حال إلى أخرى، كمن تكون روحه راكدةً ساكنةً لا حركةَ فيها، وهذا مثل التاجر الذي تحرك ماله، ونمت تجارته، وزادت ثروته، فإنه ليس مثل من جمّد ثروته ودفنها في الخزائن، فلا عطاء لها ولا حركة، ومن هذا نعلم أن الثقافة هي حركة روحية كمالية.
وتتفرع عن هذه الحركة الثقافية الكمالية للإنسان مضامين حياتية مهمة أخرى، منها: أنها تؤسس للإنسان ضماناً من الانحراف، فكل إنسان ممكن أن يواجه تياراً منحرفاً فكرياً، وهو يولّد بدوره انحرافاً سلوكياً، خصوصاً إذا علمنا إن أهمّ مصنع للانحراف هو الجهل أو قلّة المعرفة، ولذلك تعلّق الآيات الكريمة أوجه المعاصي والذنوب على الجهل، قال تعالى: (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[3]، (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[4] فالقرآن الكريم يذكر لنا نماذج من الانحراف السلوكي الناتج عن الجهل، وذلك باعتبار أن عدم الثقافة يجر الإنسان للانحراف السلوكي، كونه انعكاساً للانحراف الفكري.
ومن الجدير بالذكر أن الكثير من المواد الإعلامية تحمل أفكاراً انحرافية مختلفة، وربّما تكون بهيئة الفكر الصحيح، وقد يصعب تمييز الغث من السمين منها، سواء كانت تلك المادة الإعلامية عن طريق برامج التلفاز، أو مواقع الإنترنت.
واليوم، حيث تنتشر الأفكار العلمانية بألوانٍ تجذب الشباب، فتغرُّهم بمشاريعها الثقافية والفكرية، وتدُسُّ السم بالعسل، عن طرق تشويه بعض المفاهيم الإنسانية، مثل حق الحرية عند الإنسان، التي يبرزونها في قالب ترك الانقياد للتقاليد والأعراف والدين، وللإنسان أن يتصرف كيفما يشاء، ولا ضابط لسلوكه وعلاقاته، فإذا كان شبابنا قد حصلوا على ثقافة كافية لمعرفة المفاهيم الإنسانية وضوابطها، وبما يحملون من القيم والمبادئ، ستكون درعاً فكريّاً أمام كل ذلك.
إذاً ثقافة الشباب ضمان وحصانة من الانحرافات الفكرية والسلوكية، التي يحوكها أصحاب ثقافة عدم الانضباط.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (34)