(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[1]
سبب النزول:
ورد في أحاديث كثيرة أن هذه الآية الشريفة نزلت في علي(عليه السلام) لأنه كان لديه أربعة دراهم فأنفق منها درهما في الليل وآخر في النهار وثالث علانية ورابع خفية، فنزلت هذه الآية، ويرى البعض إن هذا المعنى متفق عليه عند علماء الشيعة وأكثر علماء السنة، حيث ذهبوا إلى أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب(عليه السلام).
ولكن من الواضح أن نزول الآية في مورد خاص لا يُحدد مفهوم تلك الآية ولا ينفي شمولية الحكم لغيره من الموارد.
التفسير:
في هذه الآية يدور الحديث أيضا عن مسألة أخرى مما يرتبط بالإنفاق في سبيل الله (جل علا) وهي الكيفيات المتنوعة والمخلفة للإنفاق فتقول الآية: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم.
ومن الواضح أن انتخاب أحد هذه الطرق المختلفة يتم مع رعاية الشرائط الأفضل للإنفاق، يعني أن المنفق يجب عليه مراعاة الجوانب الأخلاقية والاجتماعية في إنفاقه الليلي أو النهاري العلني أو السري، فحين لا يكون ثمة مبرر لإظهار الإنفاق على المحتاجين فينبغي أن يكون في الخفاء لحفظ كرامة المحتاجين وتركيزاً لإخلاص النية.
وإذا تطلبت المصلحة إعلان الإنفاق كتعظيم الشعائر الدينية والترغيب والحث على الإنفاق دون أن يؤدي ذلك إلى هتك حرمة أحد من المسلمين، فليعلن عنه (كالإنفاق في الجهاد والمراكز الخيرية وأمثال ذلك).
ولا يبعد أن يكون تقديم الليل على النهار والسر على العلانية في الآية مورد البحث إشارة إلى أن صدقة السر أفضل إلا أن يكون هناك موجب لإظهارها رغم أنه لا ينبغي نسيان الإنفاق على كل حال.
ومن المُسلّم أن الشيء الذي يكون عند الله -وخاصة بالنظر إلى صفة الربوبية الناظرة إلى التكامل والنمو- لا يكون شيئاً قليلاً وغير ذا قيمة، بل يكون متناسباً مع ألطاف الله تعالى وعناياته التي تتضمن بركات الدنيا وكذلك حسنات الآخرة والقرب إلى الله تعالى.
ثم تضيف الآية: (وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). إن الإنسان يعلم أنه لكي يدبّر أموره المعاشية والحياتية يحتاج إلى المال والثروة، فإذا فقد ثروته ينتابه الحزن على ذلك، ويشتد به الخوف على مستقبله، لأنه لا يعلم ما ينتظره في مقبلات الأيام.
هذه الحالة غالباً ما تمنع الإنسان من الإنفاق، إلا الذين يؤمنون من جهة بوعود الله تعالى، ويعرفون من جهة أخرى آثار الإنفاق الاجتماعية.
فهؤلاء لا ينتابهم الخوف والقلق من الإنفاق في سبيل الله على مستقبلهم ولا يحزنون على نقص أموالهم بالإنفاق، لأنهم يعلمون أنهم بإزاء ما أنفقوه سوف ينالون أضعافه من فضل الله وبركات إنفاقهم الفردية والاجتماعية والأخلاقية في الدنيا والآخرة[2].
مجلة بيوت المتقين العدد (91)