من النساء التي خلّدها التأريخ، وطرّز اسمها على شرفات السّنين والأيام، هي الصّحابية الجليلة، والموالية الوفية، أروى بنت الحارث بن عبد المطلب، ابنة عمِّ نبيِّنا المصطفى(صلى الله عليه وآله)، أُمّها غزية بنت قيس بن طريق بن عبد العزى، كانت من ربّات الفصاحة والبلاغة، ذات دين وولاء منقطع النظير، ويكفي عنها ما كان بينها وبين معاوية ابن أبي سفيان (لع) من موقف عظيم، ينبو عن عمق معرفتها وإخلاصها لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الميامين، فعن ابن سعد في (الطبقات الكبرى: ج8، 50)، قال: عن أنس بن مالك، قال: دخلتْ أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية ابن أبي سفيان بالموسم، وهي عجوز كبيرة، فلمّا رآها قال: مرحباً بك يا عمّة. قالتْ: كيف أنتَ يا بن أخي، لقد كفرتَ بعدي بالنعمة، وأسأتَ لابن عمّك الصحبة، وتسمّيتَ بغير اسمك، وأخذت غيرَ حقّك، بغير بلاء كان منك ولا من آبائك في الإسلام. ولقد كفرتم بما جاء به محمّد(صلى الله عليه وآله)، فأتعس الله منكم الجدود، وأصعر منكم الخدود، حتّى ردّ الله الحقّ إلى أهله، وكانت كلمة الله هي العليا، ونبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله) هو المنصور على من ناوأه ولو كره المشركون.
فكنّا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظّاً ونصيباً وقدراً، حتى قبض الله نبيّه(صلى الله عليه وآله) مغفوراً ذنبه، مرفوعاً درجته، شريفاً عند الله مرضياً، فصرنا أهل البيت فيكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون، يذبّحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وصار ابن عمّ سيّد المرسلين فيكم بعد نبيّنا بمنزلة هارون من موسى، حيث يقول: يا ابن أم القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.
ولم يجمع بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) لنا شمل، ولم يسهل لنا وعر، وغايتنا الجنة، وغايتكم النار.
وقد كان لها صولة الحقّ في مجلس معاوية، إذ تقول: إنّ عليّاً أدى الأمانة، وعمل بأمر الله، وأخذ به، وأنت ضيعت أمانتك، وخنت الله في ماله، فأعطيت مال الله من لا يستحقه، وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها، وبيّنها فلم تأخذ بها، ودعانا عليّ إلى أخذ حقّنا الّذي فرض الله لنا، فشغل بحربك عن وضع الأمور مواضعها، وما سألتك مالك شيئاً فتمنّ به، إنّما سألتك حقّنا، ولا نرى أخذ شيءٍ غير حقّنا، أتذكر علياً فضّ الله فاك، وأجهد بلاءك؟ ثمّ علا بكاؤها، فقالت:
ألا يا عين ويحك أسعدينا ألا وابكي أمير المؤمنينا
المصدر: مجلة اليقين العدد (61)، الصفحة (11).