ثأر الإمام المهدي (عليه السلام)

دَأْبُ العالِمِ العاقلِ على تحصيلِ العِلمِ والمَعْرفة، والاستفهام عن عَلل المَواقف والأَحداثِ وتفسيرِها وتحليلِها، كي تَرتكزَ المعلوماتُ الحياتيةُ المفيدةُ في وِعاءِ الذِّهن، ومن ثمَّ تَنفعهُ كَأُصولٍ موضوعيةٍ لِمَا يُواجُهُ في مَسيرةِ حَياتهِ من مُتَطلبات.

أَمّا الجَاهلُ فهو يَدْأبُ إِلى التَّشويشِ والتَّعمية على الحَقائقِ، والتشكيكِ بالوَقَائع والمفاهيمِ التي لا تَتلاءمُ مع مستواه الفِكري، بمقدارِ دَرجةِ الجَهل الذي يُوجّهُ حَياتهُ بالوِجهةِ القاصرة المتعثرة.

المعروفُ إِن الإِمامَ المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يأخذُ ثأرَ الإِمام الحُسين(عليه السلام) عند الظهور المبارك، وبما أَن القتلة غائبون في أَجداثِهم، فإنه يقتصُّ لجده(عليه السلام) بقتل ذراري هؤلاء القتلة الذين يعاصرون الإمام المهدي(عليه السلام)، ومن هنا يَسألُ البعض، ويقول: إِن الذراري لم يكن لهم أَيُّ جُرْمٍ في قتل الإِمام الحسين(عليه السلام)، فكيف يقتلهم، والقرآن يقول: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَة وِزرَ أُخرَىٰ)[1]؟!

في الجواب نقول: إِنّ الإِمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) يقتصُّ من ذراري قتلة الإمام الحسين(عليه السلام) لا لكونِهم ذراري القَتَلة، فهذا من الظُّلم القبيح طبعاً، لكنه يفعل ذلك معهم لكونهم مؤيدينَ وراضينَ بقتلِ الإِمام الحسين(عليه السلام)، فهم الامتداد النسبي والفكري لقتلةِ الإِمام الحسين(عليه السلام)، لأنهم ممن يتبنون نهجهم، ولو كانوا مكانهم لفعلوا فعلهم، ورأوا رأيهم، بل يوجد الآن من يترضى على يزيد وقتلةِ الإِمام الحسين(عليه السلام)، لأَنه يَرى أَن يزيد خليفةٌ شَرعيٌّ للنبي(صلى الله عليه وآله)!

فخلاصةُ الجواب: إِنّ كُلَّ مِن يُوالي يزيد بن معاوية وأَتباعه الذين تلطخت أَيديهم بِدمِ الإِمام الحُسين (عليه السلام) حكمه حكم المشارك بهذا الذنب العظيم بتمام الرضا والإِرادة، فقد جاء في زيارة وارث للإمام الحسين (عليه السلام): «فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكَ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً ظَلَمَتْكَ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ».

وعلى العكسِ من أُولئِك الذين يتبرؤون من يزيد وعمر بن سعر وشمر وبن مرجانه وأَفعالهم القبيحة، فإنهم مع الحسين (عليه السلام)، وفي معسكره، فقد روى جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «من أَحبَّ قَوْماً حُشِرَ معهم، وَمَنْ أَحبَّ عَمَلَ قَومٍ أُشْركَ في عَمَلِهم».[2]

إذن: نستطيع أن نقسّم قتلة الإِمام الحسين (عليه السلام) إِلى طوائِف:

الطائِفةُ الأُولى: وهم الذين أقدموا على قتل الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه (رض)، بمحض إرادتهم، وقد ذكرهم التأريخ بالأسماء والصفات.

الطائفة الثانية: وهي التي كان ظلمها وقتلها لأَهلِ البيت (عليهم السلام) بالإِعلام أَو بالتظليل، فإِنّها وإِن لم تُشارك فعلاً في عمليةِ القتل، لكنها شاركت بالقتل بطريق الإِعلام الكاذب والتأييد الصريح للقتلة الفعليين.

الطائفة الثالثة: وهي التي رضيت بمقتل الإِمام الحسين وأَهل بيته الطاهرين، فحكمهم حكم الشريك في مقتل الإِمام الحسين (عليه السلام)، وهم ملعونون بنص الأَئِمة (عليهم السلام).

ويُمكننا شمول الطوائف الثلاثة بما ورد عنهم (عليهم السلام) في إِحدى زياراتهم (عليهم السلام): «لَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكُمْ، ولَعَنَ اللهُ مَنْ أَمَرَ بِه، ولَعَنَ اللهُ مَنْ بَلَغَه ذَلِكَ مِنْهُمْ فَرَضِيَ بِه»[3]، وورد أَيضاً في زيارة أَبي الفضل العباس (عليه السلام): «قَتَلَ اللهُ أُمّةً قَتَلَتْكُمْ بِالأَيْدِي وَالأَلْسُنِ»[4].

وبالنتيجة: أَن الإِمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لا يَقتلُ هؤلاءِ بلا حُجّة وبيّنة، بلْ سوف يقيم الحجة عليهم بما تقدم من رضاهم بقتل الحسين (عليه السلام) وقتل أَهل بيته (عليهم السلام) وأَصحابهم المنتجبين(رض)، لأَنهم سوف يحاربونه ويقاتلونه، ويكونون في صفِّ أَعدائه.

المصدر: مجلة اليقين العدد (26)

 


[1] سورة النجم: الآية 38.

[2]  مقتل الحسين للخوارزمي: ج2، ص191.

[3] الكافي: ج4، ص573.

[4] مصباح المتهجد: ص725.