قد يتساءل البعض: ما فائدة الاعتقاد بإمام غائب؟!
وجوابه: أن نذكّر هنا بالحديث الشريف الذي تناقله علماء المسلمين عن النبيّ(صلى الله عليه وآله): «مَن مات ولم يَعرِف إمامَ زمانه ماتَ مِيتةً جاهليّة»[1]، إنّ المسلم إذا اعتقد بالإمام المنتظر(عجل الله فرجه الشريف) ووضع في حسابه أنّ ظهور هذا الإمام سيكون مفاجئاً، وعلى حدّ تعبير الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله): «إنما مَثَلُه مَثَل الساعة لا تأتيكم إلاّ بغتة»[2]، فإنّ أوّل ثمار الاعتقاد بالإمام المهديّ(عجل الله فرجه الشريف) سيكون الترقّب لظهوره المبارك، هذا الترقّب الذي وصفته الروايات المتكاثرة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) بأنّ ثوابه ثواب مَن قاتل مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)، (...فإنه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حق ربه وحق رسوله وأهل بيته مات شهيداً ، ووقع اجره على الله ، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله ، وقامت النية مقام اصلاته لسيفه ، فان لكل شئ مدة واجلا)[3].
وهذا الترقّب يستلزم أن يكون الفرد المسلم على حالة من الاستقامة على الشريعة الإلهية، والتقيّد بأوامرها ونواهيها؛ لأنّ ظهور الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) الذي سيكون مفاجئاً يتطلّب من المؤمن المترقِّب المنتظِر أن يكون على أُهْبة كاملة للاشتراك في حركة التطهير الواسعة التي سيقودها الإمام المنتظر(عجل الله فرجه الشريف)، لإرساء دين الله تعالى والانتصاف للمظلومين من ظالميهم وغاصبي حقوقهم، وهذا الترقّب المقرون بالنهوض بالمسؤوليّة في تطبيق الشريعة على المستوى الفرديّ والاجتماعي.. هو مصداقُ: «مَن مات على فراشه وهو على معرفةٍ بحقّ ربه وحقّ رسوله وأهل بيته(عليهم السلام)، وهو مصداق: «أفضل العبادة انتظار الفَرَج»[4]. وندرك من خلال هذا الفهم أنّ الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) كانوا إذا نَهَوا أصحابهم عن الاستعجال بظهور الإمام، إنّما كانوا يأمرونهم بأن يكونوا مستعدّين لظهوره (عجل الله فرجه الشريف)، ويؤكّدون عليهم الالتزام بالشريعة الحقّة، فذلك أفضل وسيلة لتمهيد الأرضيّة لظهور الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه الشريف).
عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام) قال: «إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنكم أحد عنها، يا بَنِي: إنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غَيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله عزّ وجلّ امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصح من هذه لا تبعوه. فقلت: يا سيدي وما الخامس من ولد السابع ؟ فقال : يا بَنِي عقولكم تضعف عن ذلك وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه»[5].
وعن النبي(صلى الله عليه وآله) حين سأله جابر: يا رسول الله فهل ينتفع الشيعة به في غَيبته؟ فقال(صلى الله عليه وآله): «إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به، يستضيئون بنور ولايته في غَيبته كانتفاع الناس بالشمس، وإن جللها السحاب، يا جابر هذا مكنون سرّ الله ومخزون علمه فاكتمه إلا عن أهله»[6]
ويستفاد من التشبيه في هذه الرواية عدة أمور:
1 - كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها، ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيام غَيبته(عجل الله فرجه الشريف)، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره، في كل وقت وزمان، ولا ييأسون منه، وهذا ما يبعث فيهم الأمل دائماً للتحرك والتمهيد لظهوره من خلال تجهيز أنفسهم وتدعيمها بعناصر القدرة على النصرة.
2 - أن الشمس كما أن شعاعها يدخل البيوت، بقدر ما فيها من منافذ الضوء، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فكذلك إنما ينتفع الشيعة بأنوار هدايته(عجل الله فرجه الشريف) بقدر ما يرفعون الموانع من الشهوات والأهواء، عن حواسهم ومشاعرهم التي هي نوافذ قلوبهم، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من آثار الذنوب، التي تمنع من الاستفادة من نور وجوده المقدس إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.
3 - أن منكر وجوده(عجل الله فرجه الشريف) مع شدّة ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيبها السحاب عن الأبصار.
هذا إلى أن الكثير من الروايات أشارت إلى أن الأرض لا تخلو من الحجة ولولا ذلك لساخت بأهلها؛ لأن الإمام(عجل الله فرجه الشريف) سبب لتنزّل الرحمة ورفع العذاب عن أمته: (وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ...)[7]. وإمامة أهل البيت(عليهم السلام) امتداد لخط النبوة والهداية نسأل الله تعالى أن يثبتنا على ولايتهم في الدنيا والآخرة.