استمرار الثورة

لم تقتصر ثورة كربلاء على عطاء الدم وما قدّمته يوم العاشر من المحرّم من القرابين، بل اتخذت شكلاً آخر في تحقيق أهداف الإصلاح الذي نشده سيّد الشهداء(عليه السلام) من قيامه المبارك ضدّ الطغيان الأُموي، فبقيت جذوة الثورة في صدور البقيّة الباقية من آل محمد(عليهم السلام) من الرجال والنساء ممن بقيَ بعد تلك المجزرة العظيمة، فكان الشكل والدور الجديد هو دور الكلمة والإعلام، ودور الخُطب الزينبية الصادحة بأحقيّة أهل البيت وبيان مقاماتهم(عليهم السلام)، ودور بيان أهداف ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) أمام المجتمع الكوفي والشامي وكلّ مَنْ ضُلِّل عليه من قِبل الإعلام الأُموي المنحرف، فانبرى لتلك المهمّة كوكبة من فتيان بني هاشم ونسائه، وفي طليعتهم وارث الحسين(عليه السلام) ووصيه والإمام من بعده الإمام زين العابدين(عليه السلام)، فنصب(عليه السلام) هو وعمّاته وأخواته منبراً إعلامياً في كلّ بقعة نزلوا فيها، وخاطبوا ضمائر المسلمين التي أماتها بطش وإعلام بني أُميّة، وعرّفوا الناس بشهداء كربلاء وأبطالها، وكشفوا زيف إسلام بني أُميّة، وفضحوهم أمام العالمين، حتى تعرّف عليهم من لم يكن يعرفهم، وبكى على مظلوميتهم مَنْ أُشبع بأكاذيب إعلام بني أُميّة، وانتصر لهم مَن لم يحالفه الحظّ بالضرب بين يدي أبي الأحرار(عليه السلام) في عرصات نينوى، فكانت مواقف وخطب الإمام زين العابدين(عليه السلام) وعمّاته وأخواته فيما بعد تلك الواقعة المؤلمة من لهيب الكلمة وفوران الخُطَب وجرأة المواقف زلزالاً وحمماً سقطت على عروش آل أُميّة، فتضعضع أساس ملكهم العضوض، وخرّ عليهم السقف من فوقهم، وغدت أيامهم معدودات، وساعاتهم محسوبات، فتغيّر طقس البلاط الأُموي من نشوة الانتصار إلى ذلّ الهزيمة، ومن زهو التشفّي إلى خزي العار، وبقيت كلمات وخُطب آل محمد(عليهم السلام) تلاحقهم إلى يوم الدين، وقد صدقت شبيهة أُمّها وأبيها بطلة كربلاء زينب الكبرى(عليها السلام) بقولها: «فَكِدْ كَيْدَكَ، وَاسْعَ سَعْيَكَ، وَنَاصِبْ جُهْدَكَ، فَوَاللهِ لَا تَمْحُو ذِكْرَنَا، وَلَا تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَلَا تُدْرِكُ أَمَدَنَا، وَلَا تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا، ولا تَغيبُ شَنَارِها، فَهل رَأيَك إلّا فَنَد وأيّامُك إلّا عَدَد، وشَمُلك إلّا بَدَد، يَوْمَ يُنَادِي المُنَادِي أَلا لَعنةُ اللهِ عَلى الظَالمِينَ، فَالْحَمْدُ للهِ الَّذي خَتَمَ لِأَوَّلِنَا بِالسَّعَادَةِ وَالْرحمة، وَلآخِرِنَا بِالشَّهَادَةِ وَالمغفرة»[1].

مجلة اليقين العدد (55)

 


[1] نفس المهموم، الشيخ عباس القمي: ص 355.