الأئمة (عليهم السلام) ولاة أمر الله وخزنة علمه

1 - عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَيْبٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): (والله إِنَّا لَخُزَّانُ الله فِي سَمَائِه وأَرْضِه لَا عَلَى ذَهَبٍ ولَا عَلَى فِضَّةٍ إِلَّا عَلَى عِلْمِه)[1].

2 - عَنْ سَدِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(عليه السلام) قَالَ: قُلْتُ لَه جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا أَنْتُمْ قَال: (نَحْنُ خُزَّانُ عِلْمِ الله ونَحْنُ تَرَاجِمَةُ وَحْيِ الله ونَحْنُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى مَنْ دُونَ السَّمَاءِ ومَنْ فَوْقَ الأَرْضِ)[2].

3- عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): (يَا ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ إِنَّ الله وَاحِدٌ - مُتَوَحِّدٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ مُتَفَرِّدٌ بِأَمْرِه فَخَلَقَ خَلْقاً فَقَدَّرَهُمْ لِذَلِكَ الأَمْرِ فَنَحْنُ هُمْ يَا ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ فَنَحْنُ حُجَجُ الله فِي عِبَادِه وخُزَّانُه عَلَى عِلْمِه والْقَائِمُونَ بِذَلِكَ)[3].

4- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: (نَحْنُ وُلَاةُ أَمْرِ الله وخَزَنَةُ عِلْمِ الله وعَيْبَةُ وَحْيِ الله)[4].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (نَحْنُ وُلَاةُ أَمْرِ الله)، فالأئمة من آل البيت (عليهم السلام) هم القائمون بأوامره والذابون عن دينه، فهم ولاة أمره في أرضه بعد النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله)، والأنبياء، والأوصياء السابقين الذين عناهم الله عزّ وجلّ
بقوله: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرضِ خَلِيفَةً)[5] فخليفة الله تعالى في أرضه وعباده، من يحمل مؤهلات الولاية والخلافة بحق؛ لكي يكون حاملا لوظيفة (وُلَاةُ أَمْرِ الله) في الأرض، وفي إقامة حدود الله وإجراء شرعه في عباده.

ولقد خاطب الله عزّ وجلّ رسوله إبراهيم (عليه السلام) بقوله: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[6].

ومن أجل ذلك لابد لإمام العباد، وخليفة الله تعالى فيهم، أن يكون منزّهاً من الآثام، طاهراً من الرجس، معصوماً عن الهوى والشيطان: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[7].

ولقد كان الأئمة من آل البيت (عليهم السلام) المصداق الحي لخلافة الله تعالى وولاته بعد النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله)، ومن أجل ذلك أعلن الأئمة (عليهم السلام) هذه الحقيقة جهاراً؛ حتى قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (نَحْنُ وُلَاةُ أَمْرِ الله وخَزَنَةُ عِلْمِ الله).

ثم قال (عليه السلام): (وعَيْبَةُ وَحْيِ الله)، قال الجوهريُّ: العيبة ما يجعل فيه الثياب والجمع عِيَب مثل بدرة وبدر. وقال ابن الأثير: عيبة الرَّجل خاصّته وموضع سرِّه والعرب تكنّي عن القلوب والصدور بالعياب لأنّها مستودع السرائر كما أنَّ العياب مستودع الثياب، فهم (عليه السلام) مستودع سر الله تعالى وخاصته.


5- عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) قَالَ: (قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا وصَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا وجَعَلَنَا خُزَّانَه فِي سَمَائِه وأَرْضِه ولَنَا نَطَقَتِ الشَّجَرَةُ وبِعِبَادَتِنَا عُبِدَ الله عَزَّ وجَلَّ ولَوْلَانَا مَا عُبِدَ الله)[8].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا وصَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا)، أي خلقنا من نوره فأحسن خلقنا وخُلقنا وصوَّرنا فأحسن صورنا الظاهرة والباطنة.

قوله (عليه السلام): (وجَعَلَنَا خُزَّانَه فِي سَمَائِه وأَرْضِه)، حيث جعلنا الله خزَّان علمه ورحمته فيما بين أهل سمائه وأرضه، وإضافة الخزَّان إلى الله تعالى باعتبار أنّهم منصوبون بأمره.

قوله (عليه السلام): (ولَنَا نَطَقَتِ الشَّجَرَةُ)، وهو مستفيض مشهور من كراماتهم، والنطق وإن كان في عرف العقلاء مخصوصاً لمن يعقل لكن لا يبعد عن القدرة القاهرة الإلهيّة أن يوجد الحياة والنطق في الجمادات فضلاً عن النباتات عند توجّه النفوس القدسيّة وإرادتها ذلك، ولا يشترط البنية المخصوصة في قبول الحياة والنطق فلذلك جاز أن يخلق الله تعالى في الشجرة علماً وحياةً ونطقاً وسمعاً قبلت بها خطابهم (عليه السلام)
إثباتاً لحجّيتهم وبياناً لعلوِّ مرتبتهم.

ثم قال (عليه السلام): (وبِعِبَادَتِنَا عُبِدَ الله عَزَّ وجَلَّ ولَوْلَانَا مَا عُبِدَ الله) أي بعبادتنا لله تعالى عُبد الله تعالىَ، ولولا عبادتنا لم تتحقّق العبادة لله تعالى، أو بعبادة الخلق ومتابعتهم لنا عُبد الله تعالى ولولا نحن ما عُبد الله تعالى لعدم اهتداء الخلق إلى طريق عبادته وكيفيّتها.

مجلة بيوت المتقين العدد (46)

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص192.

[2] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص192.

[3] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص193.

[4] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص192.

[5] سورة البقرة: آية30.

[6] سورة البقرة: آية 124.

[7] سورة الاحزاب: آية 33.

[8] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص193.