البعد الغيبي في ثورة كربلاء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.

لا أظنّ أن أحداً ينكر تدخل العنصر الغيبي في قضية الإمام الحسين(عليه السلام) ومسيرته وشهادته، لأن الحسين(عليه السلام) أساساً شخصية متصلةٌ بالغيب والسماء أتصالاً وثيقاً، وأن الرغبة الإلهية أرادت أن يكون الحسين(عليه السلام) هكذا، وأن تكون ثورته متصدرة المشهد الإسلامي دائماً، وهذا ما نلمسه في الأحداث والمواقف والأقوال التي أُثرت عن جده(صلى الله عليه وآله)، وأبيه أمير المؤمنين(عليه السلام)، كما في حديث أم المؤمنين (أم سلمة)، والمعروف بحديث (القارورة)[1]، وقوله(عليه السلام): «كَأَنِّي بِأَوْصَالِي تُقَطَّعُهَا عُسْلَانُ الْفَلَوَاتِ‏، بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وكَرْبَلَاءَ، فَيَمْلَأَنَّ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً، وأَجْرِبَةً سُغْباً، لَا مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضَى اللهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ، نَصْبِرُ عَلَى بَلَائِهِ، وَيُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ»[2]، وكما في قوله(عليه السلام) لأخيه بن الحنفية عندما عزم على الخروج إلى العراق: «أتاني رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعدما فارقتُك، فقال: يا حسين أخرج، فان الله قد شاء أن يراك قتيلاً، فقال ابنُ الحنفية: إنا لله وإنا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النسوة معك، وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟ فقال الحسين(عليه السلام): إن الله قد شاء أن يراهنّ سبايا، فسلّم عليه ومضى»[3]، وهذا هو مقتضي سر الخلود في ثورة وشهادة أبي الشهداء(عليه السلام)، وإلا فلو كانت خاضعة لمقاييس الزمان والمكان والأفراد، لكانت معركةً خاسرةً، فالمعركة التي لم تتعدَّ حدود اليوم الواحد، ولم يسع مكانها المساحة الواسعة في كربلاء، ولم يتجاوز عدد أبطالها ثمانين فارساً، لا يكتب لها الخلود والاستمرار لولا إمداد السماء، ورعايتها لتلك الثورة الحية.

نعم هذا لا يعني استقلالية السبب بالغيب فحسب، فتدخل الثورة في شبهة الجبر أو غير ذلك، فإن علم الإمام (عليه السلام) بالغيب لا ينافي اختياره في تقرير مصيره، وإنما هو رغبة في نيل الخلود الإلهي له ولثورته، وكما قال النبي(صلى الله عليه وآله): «وانَّ لَكَ فِي الجَنَّةِ دَرَجاتٍ لا تَنالُها إلّا بِالشَّهادَةِ»[4].

وبالنتيجة: أن البعد الغيبي في ثورة كربلاء كان ملهماً لخلود هذه الثورة، وقدسيتها، وسموّها على كل الملاحم والثورات، وكما قالت مولاتنا زينب(عليها السلام): «ولقد أخذ الله ميثاق أُناسٍ مِن هذه الأُمّة، لا تعرفهم فَراعِنةُ هذه الأُمّة، وهم معروفون في أهل السّماوات، أنَّهم يجمعون هذه الأعضاء المُتَفَرّقَةَ، فيُوارونَها، وهذه الجُسومَ المُضَرَّجة، وينصبون لهذا الطّفّ عَلَماً لِقَبر أبيك سيّد الشُّهداء، لا يدرس أثره، ولا يعفو رَسمُه على كرورِ اللّيالي والأيّام، وليجتهدنَّ أئمّة الكفر، وأشياع الضّلالة في مَحْوِه، وتطمِيسه، فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً، وأمره إلاّ عُلوّاً»[5].

مجلة اليقين العدد (33)

 


[1] الخرائج والجرائح للراوندي: ج1، ص254.

[2] نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: 86.

[3] اللهوف في قتلى الطفوف: ٣٩.

[4] أمالي الصدوق: ص 216.

[5] كامل الزّيارات: ص 275.