سليم بن قيس الهلالي

عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: (من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سُليم بن قيس الهلالي، فليس عنده من أمرنا شيء، ولا يعلم من أسبابنا شيئاً، وهو أبجد الشيعة، وسرّ من أسرار آل محمد(عليهم السلام))[1].

اسمه وكنيته ونسبه:

أبو صادق، سُليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي.

 ولادته:

ولد سُليم عام (2) قبل الهجرة.

 جوانب من حياته:

دخل سُليم المدينة المنوّرة أيّام عمر، وتعرَّف على صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسألهم عن أخباره (صلى الله عليه وآله) وسيرته، وبقي يحتفظ بتلك الأخبار في ذاكرته، بسبب منع تدوين الحديث أيّام عمر وعثمان.

 وفي أيّام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أصبحت الفرصة سانحة له، فقام بتدوين الحقائق التي كان يحفظها، ولذا عُدَّ من السبَّاقين في التأليف وضبط الحقائق والتاريخ.

كان من الملازمين للإمام علي (عليه السلام)، ومن الذين درسوا على يديه فأخذ من علمه وبلاغته، فأصبح أحد ابرز تلامذة الإمام (عليه السلام) في زمانه.

تحدث عن فضائل الإمام علي(عليه السلام) ومناقبه وكان يروي للمسلمين ويتحدث إليهم عما قاله الرسول(صلى الله عليه وآله) في الإمام (عليه السلام) في إيمانه الصلب المتين، وما قام به من خدمات جليلة ساهمت في تثبيت الأسس الراسخة للدين الإسلامي.

كان في أيّام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من شرطة الخميس، واشترك معه في معركة الجمل، وصفّين، والنهروان، وفي أيّام الإمام الحسن والإمام الحسين (عليه السلام) كان من أنصارهما، ويُرجَّح أنّه كان سجينًا في أيّام واقعة الطف.

 وبعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) كان من أنصار الإمام زين العابدين والإمام الباقر (عليه السلام).

استمر سُليم في نهجه القيم هذا حتى بعد وفاة الإمام علي(عليه السلام) حيث كان لا يدخر جهداً في الحديث عن فضائل الإمام علي (عليه السلام) في المساجد والأماكن التي كان يتواجد فيها المسلمون مما ازعج مسؤولي الدولة الأموية فلاحقوه وتتبعوا خطواته، إلا أن الموالين لآل البيت (عليه السلام) كانوا يلتفون حوله وكانوا يأتونه بالأخبار فكان يحذر من عملاء السلطة وبقي على هذا المنوال إلى أن تولى الحجاج بن يوسف الثقفي ولاية العراق فأمر هذا بضرورة إلقاء القبض عليه. بذل أعوان الحجاج مساعي كثيرة من أجل إلقاء القبض عليه فما كان منه ألا أن يلتجئ إلى احد الثقات، وهو( أبان بن عياش) فقام هذا بإيوائه في داره، والإشراف على خدمته خاصة، وقد بدا عليه التعب والعجز بعد أن بلغ عمره زهاء التسعين عاماً. وقبل وفاته(رضي الله عنه) استدعى أبان وقال له: (إن لك عليَّ حقاً وقد حضرتني الوفاة يا بن أخي، إنه كان من أمر رسول (صلى الله عليه وآله) (كيت وكيت )، وأعطاه كتاباً ضم بين دفتيه المئات من أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) بحق الإمام علي (عليه السلام)،
والمئات من أقوال الإمام (عليه السلام) ووصاياه التي كان يوصي أصحابه، إضافة إلى العشرات من وصايا أصحاب الإمام (عليه السلام) التي أبلغوا فيها الإمام (عليه السلام) إضافة إلى أجوبة الإمام (عليه السلام) لأسئلة أصحابه والعديد من المسلمين.

كتابه:

يعتبر كتاب سُليم بن قيس الهلالي أحد أهم الكتب عند الإمامية، وقد قال عنه الإمام الصادق (عليه السلام): (من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سُليم بن قيس الهلالي، فليس عنده من أمرنا شيء، ولا يعلم من أسبابنا شيئاً، وهو أبجد الشيعة، وسر من أسرار آل محمد (عليهم السلام))[2].

شهرة الكتاب في العصور المختلفة: اشتهر هذا الكتاب منذ القرن الأول إلى يومنا هـذا بــ (كتاب سُليم بـن قيس الهلالي)، وكثيراً ما يعبر عنه اختصاراً ب (كتاب سُليم).وربما يسمى بأصل سُليم وكتاب السقيفة.

وأول من سمى الكتاب به الإمام الصادق (عليه السلام)، وجرى ذكر الكتاب بهذا الاسم علـى لسان القدماء كالنعماني والشيخ المفيد والنجاشي والشيخ الطوسي وابن شهر آشـوب، وكذلك المتأخرون كالعلامة الحلي والشهيد الثـاني والمير الداماد والقاضي التستري والشيخ الحر العاملي، والعلامة المجلسي والشيخ البحراني والمير حامد حسين والمحدث النوري والعلامة الطهراني.

كما كـان يعرف بنفس الاسم فـي ألسنة علماء السنة أيضاً كالقاضي السبكي وابن أبي الحديد والفيض آبادي غيرهم.

عن أبان بن أبي عياش، عن سُليم بن قيس الهلالي، قال: قلت لأمير المؤمنين (عليه السلام): إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله (صلى الله عليه وآله) غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله (صلى الله عليه وآله) أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعمدين، ويفسرون القرآن بآرائهم؟ قال: فأقبل عليّ فقال: (قد سألت فافهم الجواب. إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً...)[3].

وقد صدر مـن أعـاظم العلمـاء - منـذ الـصدر الأول إلـى اليـوم - كلمـات دُرّيـة بـشأن الكتـاب ومؤلفه الجليل.ومما يدلّ علـى عظمة الكتـاب وغايـة اعتبـاره أنهم نقلوا أحاديـث سُليم في كتـبهم ومروياتهم منذ القرن الأول إلى يومنا هذا في سلـسلة متلاحقة لـم تنقطع في عصر من العصور بصورة تكشف عن اعتمادهم عليه في الغاية.

كتاب سليم من أصول الكتب الأربعمائة:

قال النعماني: (ليس بـين جميع الشيعة ممن حمل العلم ورواه عن الأئمة(عليهم السلام)
خلاف في أن كتاب سليم بـن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأصول... وهو مـن الأصول التي ترجع إليها الشيعة)[4]..

قال العلامة الطهراني: وهو من الأصول القليلة التـي أشرنا إلى أنها ألفت قبل عصر الإمام الصادق(عليه السلام).

قال العلامة الطهراني: (الأصل مـن كتب الحديث هـو ما كان المكتوب فيـه مـسموعاً لمؤلفه من المعـصوم (عليه السلام) أو عمن سمع منـه لا منقـولاً عـن مكتـوب... ومـن الواضح أن احتمال الخطـأ والغلط والسهو والنسيان وغيرها في الأصل المسموع شفاها عن الإمام أو عمن سمعه منه أقل... فوجـود الحـديث فـي الأصل المعتمد عليه بمجرده كان من موجبات الحكم بالصحة عند القدماء...

نصوص كلمات العلماء في توثيق الكتاب:

الشيخ النجاشي المتوفى ٤٥٠ ق: (..ها أنا أذكر المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالح وهي أسماء قليلة...). ثم بدء بالطبقة الأولى وذكر منهم سليم، فقال: (سليم بن قيس الهلالي له كتاب، يكنى أبا صادق، أخبرني علي بن أحمد...)[5].

الشيخ الطوسي المتوفى ٤٦٥ ق: (سليم بن قيس الهلالي يكنى أبا صادق، له كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد...)[6].

مع هذا كلِّه، فإنّ سُليمًا نفسه لا قدح فيه، إذ كان من الشخصيات المتألِّقة في تاريخ التشيّع، ومن الموالين الأبرار للأئمّة الأطهار (عليهم السلام).

وفاته:

كان سُليم في الكوفة عام 75 هـ عندما قدم الحجّاج واليًا عليها، فطلبه ليقتله، فهرب منه إلى البصرة ثم إلى فارس، ولم يلبث كثيرًا حتّى مرض، ثم توفّي (رضي الله عنه) عام 76 هـ بها.

مجلة بيوت المتقين العدد (39)

 

 


[1] وسائل الشيعة: ج2، ص210.

[2] وسائل الشيعة: ج20، الهامش ص210.

[3] الكافي للكليني: ج1، ص62.

[4] الغيبة للنعماني: ص103.

[5] رجال النجاشي: ص6.

[6] الفهرست للطوسي: ص ٨١.