يتناول المنصفون قضايا التاريخ -دراسة وبحثاً- تناولاً واقعياً وحيادياً، لا تؤثر على معطيات بحوثهم الإفرازات النفسية أو العقدية أو المذهبية أو غيرها؛ ذلك لأن الحقيقة واحدة لا تقبل التعدّد والتجزّء، وأن مسؤولية الكاتب والمؤلف والباحث هو الانصاف العلمي بغض النظر عن نتائج التحقيق والبحث والدراسة، حتى لو كانت تلك الدراسة مخالفة لما هو عليه، وهذا ما لا نجده في كثير من الأقلام التي تدعي سلوك سبيل البحث والتحليل، فإنها مجانبة للأصول المعتمدة في التحقيق والبحث والدراسة، ومن القضايا التي تناولتها تلك الأقلام هي قضية ظلامة الزهراء (عليها السلام)، فلا زالت الكثير من الأقلام والذهنيات الدينية والأكاديمية تصور للمسلمين -على وجه الخصوص- أن القضية الفاطمية هي قضية تأريخية سادت وبادت، ولا علاقة لها بالعقيدة والدين وغير ذلك كما يدعيها أتباع مذهب الإمامية، ولا داعي أصلاً للبحث فيها وإعطائها الأهمية، لا سيما وأنها ذات طابع حسّاس وخطير؛ باعتبارها تمس رموزاً وأسماءً من شأنها تأجيج نار الفتنة والأحقاد بين أبناء الأمة الإسلامية، لكن هذه الرؤية الساذجة والسطحية في الكتابة لا تتمتع بقيمة علمية، وليس لها حظ من الإنصاف العلمي في شيء؛ ذلك لأنها نفت ما هو ثابت، وأثبتت ما هو منفي! وليت تلك الكتابات أنها حصرت القضية في الزاوية التأريخية فحسب، بل أضعفت ذلك الإرث الروائي والتاريخي كي لا تفسح المجال إلى تقوية الدلالات العقائدية في المواقف والنصوص الفاطمية التي صدحت بمقاماتها من الله ورسوله(صلى الله عليه وآله)، وبأحقية البيت العلوي الطاهر بخلافة رسول الله(صلى الله عليه وآله)! فالمواقف والخطابات الفاطمية هي معارضة صريحة للسلطة الحاكمة، ومعارضة للخلافة المدعاة بغير حق ولا دليل! قالت (صلوات الله عليها): «أَلَا وَقَدْ أَرَى أَنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إِلَى الْخَفْضِ، وَأَبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ، وَخَلَوْتُمْ بِالدَّعَةِ، وَنَجَوْتُمْ مِنَ الضِّيْقِ بِالسِّعَةِ، فَمَجَجْتُمْ ما وَعِيتُمْ، وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ. (فَإِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ»، وقالت (عليها السلام): «أَمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أَبِي وَابْنِ عَمّي؟ فَدُونَكَها مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً، تَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَالزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ، وَعِنْدَ السّاعَةِ يخسَرُ المبطلون»[1].
مجلة اليقين العدد (70)