البيع هو : نقل المال إلى الغير بعوض، والمقصود بالعوض هو المال الذي يجعل بدلاً وخَلَفاً عن الآخر، والغالب فيه في هذه الأزمنة أن يكون من النقود، فالبيع متقوّم بقصد العوضيّة والمعوّضيّة، وباذل المعوَّض هوالبائع وباذل العوض هوالمشتري، ومن ذلك يتّضح معنى الشراء، وأمّا المعاوضة بين المالين من دون قصد العوضيّة والمعوَّضيّة فهي معاملة مستقلّة صحيحة ولازمة سواء أكانا من الأمتعة أم من النقود، ولا تترتّب عليها الأحكام المختصّة بالبيع كخياري المجلس والحيوان دون ما يشمل مطلق المعاوضات كحرمة الربا.
مسألة 51: يعتبر في البيع الإيجاب والقبول، ويقع بكلّ لفظ دالّ على المقصود، وإن لم يكن صريحاً فيه مثل: (بعت) و(ملّكت) و(بادلت) ونحوها في الإيجاب، ومثل: (قبلت) و(رضيت) و(تملّكت) و(اشتريت) ونحوها في القبول، ولا تشترط فيه العربيّة، كما لا يقدح فيه اللحن في المادّة أو الهيئة إذا لم يمنع من ظهوره في المعنى المقصود عند أبناء المحاورة، ويجوز إنشاء الإيجاب بمثل: (اشتريت) و(ابتعت) و(تملّكت)، وإنشاء القبول بمثل: (شريت) و(بعت) و(ملّكت).
مسألة 52: إذا قال: (بعني فرسك بهذا الدينار) فقال المخاطب: (بعتك فرسي بهذا الدينار) صحّ وترتّب الأثر عليه بلا حاجة إلى ضمّ القبول من الآمر إذا كان المتفاهم منه عرفاً إعطاء السلطنة للمخاطب في نقل الدينار إلى نفسه ونقل فرسه إليه، والظاهر أنّ الأمر كذلك، ومثله ما إذا كان لشخص واحد حقّ التصرّف في المالين بأن كان - مثلاً - وليّاً على المالكين أو وكيلاً عنهما.
مسألة 53: يعتبر في تحقّق العقد الموالاة بين الإيجاب والقبول فلو قال البائع: (بعت) فلم يبادر المشتري إلى القبول حتّى انصرف البائع عن البيع لم يتحقّق العقد، ولم يترتّب عليه الأثر .
أمّا إذا لم ينصرف وكان ينتظر القبول حتّى قَبِلَ صحّ، كما أنّه لا تعتبر وحدة المجلس فلو تعاقدا بالتليفون فأوقع أحدهما الإيجاب وقبل الآخر صحّ.
وهكذا في المعاملة بالمكاتبة (المراسلة)، فإنّها تصحّ إن لم ينصرف البائع عن بيعه حتّى قَبِلَ المشتري.
مسألة 54: ىعتبر التطابق بين الإيجاب والقبول في الثمن والمثمن، وفي سائر حدود البيع والعوضين - ولو بلحاظ من تضاف إليه الذمّة فيما إذا كان أحد العوضين ذمّيّا - فلو قال: (بعتك هذا الكتاب بدينار بشرط أن تخيط قميصي) فقال المشتري: (اشتريت هذا الدفتر بدينار أو هذا الكتاب بدرهم أو بشرط أن أخيط عباءتك أو بلا شرط شـيء أو بشرط أن تخيط ثوبي) أو (اشتريت نصفه بنصف درهم) أو قال: (بعتك هذا الكتاب بدينار في ذمّتك) فقال: (اشتريته بدينار لي في ذمّة زيد) لم يصحّ العقد، وكذا في نحو ذلك من أنحاء الاختلاف، ولو قال: (بعتك هذا الكتاب بدينار ) فقال: (اشتريت كلّ نصف منه بنصف دينار) ففي الصحّة إشكال، لا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
وكذا إذا كان إنشاء أحد الطرفين مشروطاً بشيء على نفسه وإنشاء الآخر مطلقاً كما إذا قال: (بعتك هذا الكتاب بدينار ) فقال: (اشتريته بشرط أن أخيط لك ثوباً) أو قال: (بعتك هذا الكتاب بدينار بشرط أن أخيط ثوبك) فقال: (قبلت بلا شرط) فإنّه لا ينعقد مشروطاً بلا إشكال وفي انعقاده مطلقاً وبلا شرط إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 55: إذا تعذّر اللفظ لخَرَس ونحوه قامت الإشارة أو الكتابة مقامه وإن تمكّن من التوكيل، بل ىجوز العقد بكلٍّ منهما حتّى مع التمكّن من اللفظ.
مسألة 56: ىقع البيع بالمعاطاة، بأن ينشئ البائع البيع بإعطائه المبيع إلى المشتري، وينشئ المشتري القبول بإعطاء الثمن إلى البائع، ولا فرق في صحّتها بين المال الخطير والحقير، وقد تحصل بإعطاء البائع المبيع وأخذ المشتري بلا إعطاء منه، كما لو كان الثمن كلّيّاً في الذمّة أو بإعطاء المشتري الثمن وأخذ البائع له بلا إعطاء منه، كما لو كان المثمن كلّيّاً في الذمّة.
مسألة 57: يعتبر في صحّة البيع المعاطاتيّ جميع ما يعتبر في البيع بالصىغة من شرائط العقد والعوضين والمتعاقدين، كما ىثبت فىها جميع الخيارات - الآتية إن شاء الله تعالى - على نحو ثبوتها في البيع بالصىغة حتّى ما يتوقّف منها على اشتراطه في العقد كما سيأتي في المسألة (59).
مسألة 58: تجــري المعاطــاة في غير البيــع مــن سائــر المعاملات بـــل الإيقاعــات - حتّى الرهن والوقف - نعم لا تجري في موارد خاصّة، كالنكاح والطلاق والنذر واليمين والعهد.
مسألة 59: البيع المعاطاتيّ قابل للشرط سواء أكان شرط خيار في مدّة معيّنة أم شرط فعل أم غيرهما، فلو أعطى كلّ منهما ماله إلى الآخر قاصدين البيع، وقال أحدهما في حال التعاطي: جعلت لنفسي الخيار إلى سنة - مثلاً - وقبل الآخر صحّ شرط الخيار، وكان البيع خياريّاً، وكذا إذا ذكر الشرط في المقاولة ووقع التعاطي مبنيّاً عليه.
مسألة 60: لا يجوز تعليق البيع على أمر غير حاصل حين العقد سواء أعَلِمَ حصوله بعد ذلك، كما إذا قال: (بعتك إذا هلّ الهلال) أم جهل حصوله كما لو قال: (بعتك إذا ولد لي ولد ذكر ) ولا على أمر مجهول الحصول حال العقد كما إذا قال: (بعتك إن كان اليوم يوم الجمعة) مع جهله بذلك، أمّا مع علمه به فجائز .
مسألة 61: إذا قبض المشتري ما اشتراه بالعقد الفاسد، فإن علم برضا البائع بالتصرّف فيه حتّى مع فساد العقد جاز له التصرّف فيه وإلّا وجب عليه ردّه إلى البائع، وإذا تلف - ولو من دون تفريط - وجب عليه ردّ مثله إن كان مثليّاً وقيمته إن كان قيميّاً، وكذا الحكم في الثمن إذا قبضه البائع بالبيع الفاسد، وإذا كان المالك مجهولاً جرى عليه حكم المال المجهول مالكه، ولا فرق في جميع ذلك بين العلم بالحكم والجهل به، ولو باع أحدهما ما قبضه كان البيع فضوليّاً وتوقّفت صحّته على إجازة المالك، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.