لم يزل البعض يحارب شعائر عاشوراء بشتى الأساليب، واصفاً إيّاها بأنها مظهر من مظاهر الجهل والتخلّف، لما فيها من بكاء ولطم وتطبير وضرب الجسد بالسلاسل، لادعائهم أن كل ما يلحق الجسد من أذى فهو حرام شرعاً حرمة ذاتية، ومنهم من يقول بحرمتها بسبب توهينها المذهب.
الجواب:
لا تدل الروايات على منع البكاء، وليس من موارد إيذاء الجسد المحرم ذاتا، بل على العكس تماما كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «.. ومن أنشد في الحسين فبكى فله الجنة»[1]، وأما الآيات الشريفة جاءت آمرة بتعظيم شعائر الله: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[2].
وأما مسألة توهين المذهب فهو مرفوض لأسباب منها:
إن ذلك لا يدل على الحرمة الذاتية، بل نشأت من عنوان عارض على الشعائر الحسينية، وهذا العنوان جلب الوهن.
وظيفة الفقيه تصدير الحكم الشرعي، على سبيل التعليق، فيقول: إن لزم من هذا الفعل التوهين فيحرم، والمكلف يتولى تطبيق الحكم بمورده، وإن فرضنا دعوى التوهين في بعض البقاع؛ لا بلاد الشيعة.
وأما أدلة المعترضين هي:
1ـ قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[3].
2ـ قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[4].
الجواب:
أـ ليس في اللطم، وجرح الرأس، وضرب السلاسل هلاك، ليقال: إن فعل ذلك فإنه يلقي بنفسه إلى التهلكة.
ب ـ لو سلمنا بالتهلكة، فإن الحرام من فعل ذلك يكون خصوص ما يؤدي للتهلكة، أو احتمل احتمالاً يعتدّ به، وإلا لزم تحريم ركوب الدراجة النارية والطائرة، فإن احتمال الهلاك فيهما أكثر.
ج ـ الآية الأولى ناظرة للتهلكة في الآخرة كما في تفسير التبيان للشيخ الطوسي: ج2، ص152؛ لأنها تتحدث عن الإنفاق في الجهاد، وأن الامتناع عن ذلك يعرّض الإنسان للعقاب الإلهي، وأما الثانية لا تدل على ذلك، فتحذر من الفتنة من جهة وهي ليست هلاكا، وعذاب الآخرة من جهة أخرى.
فيدل ذلك على مشروعية الشعائر؛ لأنها على الإباحة إن لم نقل إنها مستحبة بحسب الأدلة الخاصة للمذهب.
المصدر: مجلة اليقين، العدد (54)، الصفحة (10).