إفشاء السلام وآثاره الاجتماعية

قال الله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ الله كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً)[1].

لقد أولى الدين الإسلامي مسألة السلام اهتماماً قلّ نظيره من بين اللياقات الاجتماعية، فكلمة (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) هذه الكلمة الصغيرة تكاد تكون من أوثق العرى التي تربط المجتمع، فكم بها اصطلح متخاصمان، وهي كلمة تقال وجواب يرد، ولأجل هذا الهدف كان لها هذا النصيب الكبير من الاهتمام في الدين الإسلامي الحنيف، وقد وصل إلى أيدينا الكثير من الروايات التي تتحدث عن أهميته وكيفيته والآثار المترتبة عليه كما سنذكرها تباعاً من قبيل: عن الإمام الصادق(عليه السلام): (السلام تحية لملتنا، وأمان لذمتنا)[2]، وفي الحديث إشارة إلى مدى الأمان الاجتماعي النابع من السلام بين المؤمنين. وقد وصف الله تعالى أهل الجنة بأنهم يحيّون بعضهم بالسلام المتعارف بيننا يقول الله عزّ وجلّ: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهمّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ‏ الْعَالَمِينَ)[3]. ويقول في موضع أخر: (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ)[4].

 وأن الملاحظ لسلوكيات الأفراد في مجتمعاتنا، يلاحظ بكل يسر مدى انكماش مثل هذه الآداب الدينية البسيطة التي يؤشر فعلها إلى مدى تواد الناس وتراحمهم، ما يساعد في تكوين العلاقات الاجتماعية السليمة، التي على أساسها تُبنى النُظم الاجتماعية التي تؤسس لقيام نظام اجتماعي متين وقوي، الذي هو بدوره أساس التغيّر الاجتماعي نحو الأفضل، فلا يستغرب الواحد منا أن مثل هذه الخصائص والعناصر التي يعتقد البعض أنها بسيطة وغير مؤثرة لها مردود ايجابي، وإلا ما كان الله سبحانه وتعالى يأمرنا بأن نرد التحية بأحسن منها أو بمثلها على الأقل، قال تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنّ‏َ الله كَانَ عَلَى كُلّ شَيْ‏ء حَسِيباً)[5].

 وعندما حدد النبي (صلى الله عليه وآله) الأمور التي فيها أجر عظيم كانت التحية من بينها قال (عليه السلام): (إطعام الطعام وإفشاء السلام وصلة الأرحام والصلاة والناس نيام)[6]. فعلينا أن نتأدب بآداب الإسلام، وأن نظهر لبعضنا البعض المودة والرحمة صغاراً وكباراً رجالاً ونساء، وأن نستخدم الألفاظ العربية الإسلامية مثل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عندما نفد إلى فرد أو جماعة مسلمة، أو حين نغادر وأن لا نستخدم الـعبارات المستهجنة مثل (هاي .. باي) وغيرها من الكلمات التي تعوّد عليها للأسف الكثير من شبابنا!

المصافحة: وكما اهتم الإسلام بمسألة السلام فإنه اهتم أيضا بالتصافح الذي يكون مع السلام، ولما له من أثر بالنفوس والقلوب.

 ففي الحديث عن رسول الله الأكرم (صلى الله عليه وآله): (إذا التقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح، وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار)[7].

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه وليصافحه، فإن الله عزّ وجلّ أكرم بذلك الملائكة فاصنعوا صنع الملائكة)[8].

اجعل محياك باسما: ومن اللياقات الاجتماعية التي أرشد إليها الإسلام بشكل أكيد حسن البشر، ومعنى حسن البشر أن يلاقي المسلم أخوانه بوجه مبتسم لا بوجه مكفهر مقطب الحواجب بحيث ينفر الآخرون من ملاقاته، فإنّ من يلاقي أخوانه بهذه الطريقة السيئة يضع نفسه في موضع السخط من الله تعالى، ففي الرواية عن الإمام علي (عليه السلام): كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: (إن الله يبغض المعّبس في وجه إخوانه)[9].

ولقد كان حسن البشر من صفات الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) وآل البيت(عليهم السلام) ومن الروايات التي حثت على هذه الصفة الحميدة ما روي عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله): (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر)[10].

إن لحسن البشر اثاراً اجتماعية مهمة يعرفها من ديدنه حسن البشر وقد ذكرها أهل البيت (عليهم السلام) فمن اثار هذا الصفة الحسنة:

 المودة: لأن حسن البشر يحمل في خلفياته نفساً طيبة ودوّدة، تحب التقرب من الاخرين، بخلاف التجهم الذي يوحي بالعدوانية، وقد ورد في الرواية عن الإمام علي (عليه السلام): (البشاشة حبالة المودة)[11].

 يجلي القلوب: فكم من مختلفين قد أنهت خلافهما البسمة الصادقة، وأزالت الرين والحقد من قلبيهما، وهذا ما نراه كثيراً في حياتنا العملية.

وفي الحديث عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (حسن البشر يذهب بالسخيمة)[12].

 يذهب بالذنوب: فقد جعل الله تعالى ثواب هذا الخلق الكريم أن يغفر ذنوب المؤمنين لأجله، وفي الرواية عن الإمام علي (عليه السلام): (إذا لقيتم إخوانكم فتصافحوا، وأظهروا لهم البشاشة والبشر، تتفرقوا وما عليكم من الأوزار قد ذهب)[13].  

 


[1] سورة النساء: آية 86.

[2] ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1348.

[3] سورة يونس: آية 10.

[4] سورة إبراهيم: آية 23.

[5] سورة النساء: آية 86.

[6] كنز العمال للمتقي الهندي: ج16، ص246.

[7] الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏181.

[8] الكافي: ج 2، ص 181.

[9] ميزان الحكمة محمدي الريشهري: ج‏1، ص‏262.

[10] ميزان الحكمة: ج‏1، ص‏262.

[11] ميزان الحكمة: ج‏1، ص262.

[12] ميزان الحكمة: ج‏1، ص262.

[13] ميزان الحكمة: ج‏1، ص262.