كل أمة تعلّق أمالها وأهدافها ومستقبلها على فئة الشباب؛ لأنهم بما يتمتعون به من الطاقات الإنسانية العالية جسدياً وروحياً، يستطيعون إنجاز ما يوكل إليهم من مهام، والقيام بما يشعرون به من مسؤولية في تحقيق أهداف مجتمعهم في الحاضر والمستقبل، ولا تتخلف أمة من الأمم فتستغني عن هذه الطاقة الخلّاقة، إلّا وتعثَّر تقدمها، وتباطأت خطوات مسيرتها الحضارية.
إن مفهوم المسؤولية في الإسلام لا يختلف عن مفهومها العام، إلا أن متعلقات تلك المسؤولية تختلف من ثقافة إلى أخرى، وهي عندنا تعني أن المسلم يُسأل عن كل شيء له سلطان عليه، سواء كان هذا السلطان خارجياً كالأحكام الشرعية، أم ذاتياً كالمفاهيم الوجدانية والنفسية، وكل ما له قدرة على التصرف فيه بأي وجه من الوجوه.
ومادام الإنسان ينتمي إلى عقيدة فعليه مسؤوليات تجاهها جزماً، يصنعها الانتماء إليها نفسه.
هذا من وجهة نظر عامة.
أما بخصوص شبابنا - خصوصاً الذين هداهم الله تعالى إلى طريق أهل البيت (عليهم السلام) - فإنهم أمام ثروة معرفية ومكتبة أخلاقية غير متناهية، تغنيهم عن الثقافات المعاصرة لحيويتها ونضارتها، وتؤمّن لهم المستقبل، لتجدّدها واستمرارها، كما أنها ذات مسؤولية فاعلة تتسم بجمال المفاهيم، والمرونة في العمل، والحب، والاطمئنان، والأمان، في ممارسة السلوك الديني والاجتماعي.
ومن أهمّ عطاءات هذا الفكر النبويّ النابض بالحياة، سيرة المعصومين (عليهم السلام)، التي تأدب بها العدو والصديق، والبعيد والقريب، حتى صارت مدرسة إنسانية عامة، في جميع ما تحتاجه الحياة الإنسانية الصافية، من علم، وأخلاق، وآداب، وصفات، وسجايا، في شتى العلاقات البشرية.
ومن صفات هذه المدرسة، دروس التضحية والفداء، التي أسّستها معركة الطف الخالدة، التي انتصر بها الدم على السيف، وسقى شجرة الإنسانية الكريمة الفاضلة، فصار أصلُها ثابت عند أهل البيت (عليهم السلام) وفرعُها مقسّم على أتباعهم على منابر النور والعزة والكرامة.
من هنا تظهر مسؤولية الشباب في استثمار هذه المناسبة فكرياً، والتفاعل مع معطياتها الإنسانية الخالدة، ويستطيع الشباب أن يتأمل في أخلاق الحسين (عليه السلام)، وطريقة تعامله مع المحيط في ذلك اليوم، دون الاقتصار على البُعد العاطفي الوجداني فقط، بل ينبغي النظر إلى امتداد حياته (عليه السلام) التي كانت نتيجتها هذا النوع النادر من التضحية، وهذا الكَمُّ البارز من العطاء، ومنحته هذه المكانة الرفيعة في نفوس المسلمين، فكان رجل العقيدة والعبادة، ورجل الشجاعة والقيادة، ورجل الأخلاق والمُثُل العليا.
هكذا ينبغي لأبنائنا الشباب أن يتعاملوا مع أئمّتهم(عليهم السلام)، أن يحملوا في أنفسهم هذه المعاني المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) عند زيارته، وعند إحياء ذكراه المقدسة، في المجالس والاجتماعات الحسينية، فهذا جزء من معرفة حقه(عليه السلام)، الذي ورد في فضل زيارته(عليه السلام) كما ورد عن جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ - الصادق -(عليه السلام): «مَنْ أَتى قَبْرَ الْحُسَيْنِ(عليه السلام) عَارِفاً بِحَقِّهِ، كَتَبَ اللهُ لَهُ أَجْرَ مَنْ أَعْتَقَ أَلْفَ نَسَمَةٍ، وكَمَنْ حَمَلَ عَلى أَلْفِ فَرَسٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ»[1].
فالتمسك بنهجه (عليه السلام) يعتبر أفضل وسيلة لترجمة رسالته الإنسانية التي مثلت الامتداد الصادق لرسالة نبينا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله).
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (33)