مَثَّل الاسلامُ حالةَ التماهي النوعي في الرحمة والرأفة وتمام الانسانية، فلا فرق في منظور الاسلام بين حيثيات يؤطرها إطار الإنسانية، نعني أن الإنسانية يجمعها قاسم مشترك وفق نظر الدين الاسلامي ألا وهو: (يَٰٓأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَىٰكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[1]، فالضابطة ليس الجنس أو المال أو الوجاهة الاجتماعية بل هي التقوى، ولهذا نجد مواقف أهل البيت حافلة بالمساوات والرحمة، ومنها موقف الإمام الحسين(عليه السلام) مع أسلم التركي، ذلك الفتى الذي ينتمي إلى قومية الترك، والتي كانت في زمن بني أمية كغيرها من مظلومة مضطهدة.
ذكره أبو نعيم الحافظ في كتاب حلية الأولياء: أنه كان للحسين (عليه السلام) مولى اسمه أسلم بن عمرو، وكان قد اشتراه بعد وفاة أخيه الحسن (عليه السلام)، ووهبه لابنه علي بن الحسين(عليه السلام). وكان أبوه (عمرو) تركيا.
وكان أسلم (أو سليمان أو سليم) هذا كاتباً عند الحسين(عليه السلام) في بعض حوائجه، وكان قارئاً للقرآن، عارفاً بالعربية، ويجيد الرماية[2].
لما خرج الحسين(عليه السلام) من المدينة إلى مكة كان أسلم ملازما له، حتى أتى معه كربلاء. فلما كان اليوم العاشر وشبّ القتال، استأذن في القتال.
وقال السيد الأمين في (لواعج الأشجان): وخرج غلام تركي من موالي الحسين (عليه السلام)، وكان قارئاً للقرآن وعارفا بالعربية وكاتباً، فجعل يقاتل ويرتجز ويقول:
البحرُ مِن طَعْني وضَرْبي يَصْطَلي والجـوُّ مِـن سَهْمي ونَبْلي يَمْتَـلي
إِذا حُســامي فـي يَميني يَنْجَـلي يَنْشَـقُّ قَلْـبُ الحـــاسدِ المُبَجَّـلِ
فقتل [في رواية ابن شهر اشوب] سبعين رجلاً، فتحاوشوه حتى سقط صريعاً، فجاء إليه الحسين (عليه السلام) فبكى، ووضع خدّه على خدّه، ففتح عينيه فرأى الحسين (عليه السلام) فتبسّم، ثم صار إلى ربّه[3].
وفي رواية: واستغاث، فانقض عليه الحسين (عليه السلام) واعتنقه وهو يجود بنفسه، فقال: مَنْ مثلي وابن رسول الله واضع خدّه على خدّي، ثم فاضت نفسه[4].
فالسلام على الحسين (عليه السلام) وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
المصدر: مجلة اليقين العدد (67)، الصفحة (11).