الإيمان في عالم حياة الإنسان من أهم مطالب السماء التي تسعى لتحقيقه في عالم الحياة الدنيا، بل هو مدار قيمة الإنسان من عدمه في عالم الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[1]، فما لم يكن الإنسان مرتبطاً بالإيمان فإنه لا يحصل على تلك القيمة السماوية العالية؛ ذلك لأن دين الله تعالى قد زرع مع فطرة الإنسان وتكوينه (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[2]، فالبعيد عن الدين والإيمان هو مفتقد للجزء المهم في وجوده وشخصيته، وهو خلاف فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهذا الإيمان لا يكون متكاملاً حتّى يتوفّر على أبعاد ثلاث: «تَصْديقٌ بالقَلْبِ، وإِقرارٌ باللِّسانِ، وعملٌ بالأَرْكانِ»[3]، وهذه هي ثلاثية الإيمان الواجب توفّرها عند كل من انتحل الإيمان، وهذه الثلاثية هي التي يجب أن تحتل مملكة الإنسان ووجوده، وتسيطر على قلبه؛ ليكون نابضاً بالمعاني السامية للإيمان، وتسيطر على لسانه؛ ليكون مرتّلاً لأذكاره وآياته، وتسيطر على عموم جوارحه؛ ليعمل بأركانه، قال تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)، وهذه الأركان الثلاثة هي التي ترسم خطّ الإنسانية وصراطها المستقيم، وهي التي تحدّد معالم الإنسانية من معالم البهيمية والشيطانية؛ فكل ما تدفع له القيم الإنسانية فإنّ الإيمان يدفع لها بل يزيد عليها؛ لإن الإيمان يكتنف في طيّاته ومضامينه معاني الرّحمة الرّحمانية والرّحيمية الإلهية، وهما المظهر الذي يجب أن يسود عالم الحياة ومن فيها، وهو الثّوب الذي يجب أن يرتديه كل من آمن بالله تعالى؛ لكن ذلك لا يتحقّق إلا على يد محقّق الإيمان وأهدافه، ووريث النبوّة والإمامة، المصلح الأكبر صاحب الأمر والزّمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف).
مجلة اليقين العدد (60)