بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.
تتوشح أبدان الكثير من البشر لفترةٍ ما عند فقدان عزيز لهم، وتتفجّع قلوبهم بتلك الفاجعة مدّة من الليالي والأيام، فما أن تمضي على تلك المصيبة أيامٌ إلا وتكون تلك المصيبة قد خفّت على قلوب أهل المصاب والأحباب، ورويداً رويداً تضمحل حرارة المصاب، وتتكشّف حجب الاكتئاب، إلا أننا نجد بعض المصائب التي ابتلى بها بعض أولياء الله تعالى لا تخمد حرارتها، ولا تبرد جمرتها مهما طال الزمان، كما نلمس ذلك واضحاً من قضية الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: (إِنَّ لِقَتْلِ الحُسَيْنِ حَرَارَةً في قُلوبِ المُؤْمِنينَ لَا تَبرُدُ أَبَدَاً)[1]، لكن هناك مصيبة هي مفتاح المصائب التي صُبّت على أهل البيت (عليهم السلام)، وهي بابٌ ينفتح منه العديد من المحن والمصائب والجرأة على أهل هذا البيت الطاهر (عليهم السلام)، نعم هي مصيبة الزهراء (عليه السلام)، تلك المصيبة التي سجّلت أول جرأة على دار الرسالة ومهبط الوحي وباب النبوة بعد رحيل الخاتم المصطفى (صلى الله عليه وآله)، ومنها ابتدأت مسيرة الحزن والأسى، وانعقدت أولى حلقات المصائب والكروب (كَأَنَّهم قَدْ جَنَوْا مَا لَيْسَ يُغْتَفَرُ)كما قال الشاعر دعبل الخزاعي، ففي الثامن من ربيع الآخر من السنة (11) للهجرة المباركة (على الرواية الأولى) كانت رحلة تلك السيدة الطاهرة المعصومة فاطمة الزهراء (عليه السلام) عن عالم الدنيا شهيدةً مظلومة مغشومة، قد ملئت داءً وحسرةً، وكَمَداً وغُصّةً، تشكو إلى الله عزَّ وجلَّ وإلى أبيها (صلى الله عليه وآله) ما فُعِل بها وبزوجها أمير المؤمنين (عليهما السلام)، من غصب خلافته وزحزحته عن موقعه الإلهي الذي أراده الله تعالى له، ومن هجوم الدار وإحراق الباب وكسر الضلع وإسقاط المحسن الشهيد (عليه السلام)، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(أَشْهَدُ أَنَّكِ مَضَيْتِ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكِ، وَأَنَّ مَنْ سَرَّكِ فَقَدْ سَرَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وَمَنْ جَفَاكِ فَقَدْ جَفَا رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وَمَنْ آذَاكِ فَقَدْ آذَى رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وَمَنْ وَصَلَكِ فَقَدْ وَصَلَ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وَمَنْ قَطَعَكِ فَقَدْ قَطَعَ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، لِأَنَّكِ بَضْعَةٌ مِنْهُ وَرُوحُهُ الَّتِي فِي بَدَنِهِ وَبَيْنَ جَنْبَيْهِ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَكْمَلُ السَّلَامِ)[2].
مجلة اليقين العدد (45)