الإيمان بالإمام المهدي (عليه السلام) / سماحة السيد علاء الموسوي

مسألة الإيمان بالإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه لها جانبان:

الجانب الأول: الفكري العقائدي:

ويتضمّن إثبات النص على الإمام، وإثبات إمامة الإمام، وإثبات اسمه واسم أبيه وأنه من ولد فاطمة صلوات الله عليها، وطول عمر الإمام، وإثبات إمكان أن يطول عمره، والحديث عن مقدمات ظهوره، وعن أيام ظهوره.. وهكذا.

فالحديث من هذا الجانب هو تأريخي وعقائدي، وقد تكفّلت به مئات الكتب والرسائل والبحوث التي كتبت حول الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه من الفريقين.

الجانب الثاني: الجانب الوجداني:

أي كيف نتعامل مع هذه العقيدة ومع هذه الفكرة بشكل يجعلها فاعلة في حياتنا كما نتعامل مع أي حقيقة أخرى فاعلة في الحياة كالأموال والأولاد؟

كيف نتعامل مع الإمام الحي الغائب؟ هذا الإمام الذي يعيش بين أظهرنا يرانا ولا نراه، يراقب أفعالنا ويشهد علينا أمام الله، هل نتعامل معه كغيب وفكرة من الأفكار؟

نعم ثبتت هذه الفكرة بالدلائل العلمية وبالبراهين الثابتة، ونعتقد بها، لكن لا نتجاوز هذه العقيدة إلى أكثر من ذلك، هي فكرة من الكتب نمرّ عليها بين مناسبة وأخرى ونتحدث عنها لا أكثر، هل نقف عند هذا الحد أم أننا نريد أن نتجاوز العقيدة إلى الاطمئنان القلبي وإلى جعل هذه الفكرة أمراً فاعلاً في حياتنا بحيث تسهرنا كما يسهرنا المال وتؤرقنا كما يؤرقنا المال وحب الولد وحب الدنيا، بل أكثر من ذلك، فالمفروض في المؤمن أن يبحث عن كيفية تفعيل هذه الفكرة في حياته وإنزالها إلى واقعه.

هناك نقاط ومراحل علينا أن نفهمها جيداً حتى نصل إلى إمكانية تفعيل هذه العقيدة في الحياة وجعلها أمراً فاعلاً في حياة الإنسان، ومن هذه النقاط:

أولاً: يجب أن نعلم أن الإمام صلوات الله عليه حي يرزق، لأنّ الكثير منا يغفل عن ذلك، فنحن نعتقد أنّه حي موجود لكن شعورنا بحياته يكاد يكون منعدماً أو ضعيفاً جداً، وهذه في الواقع مسألة تتعلق بالإيمان بالغيب (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)[1]، فالذي يؤمن بالغيب يستطيع أن يشعر بالغيب وإن لم يره بعينه الباصرة.

والإمام المهدي(عليه السلام) وإن كنّا لا نراه بهذه العين، لكن المفروض أن نراه بعين البصيرة، والمفروض أن نعيش معه بالقلب.

فالإمام حي يرزق يعيش بين أظهرنا ويحضر مواسمنا الرئيسية كمسلمين، يحضر الحج وزيارة المعصومين(عليهم السلام)، ويحضر مجالس الشيعة، غاية الأمر أننا لا نراه، وكون الشخص لا يراه لا ينبغي أن يؤثّر في عقيدته وبأنه موجود وفي شعوره بوجوده، هذا الشعور ينبغي أن يتعمق بأنه موجود ومراقب، رقابة المحب، ورقابة الرؤوف، ورقابة الأب الذي يرقب أولاده ورعيته، يراقبهم كيف يكبرون وكيف يتكاملون وكيف يسيرون في هذه الحياة، رقابة من يرفع يده دائماً في الدعاء لنا ليلاً ونهاراً أن يسددنا الله عز وجل وأن يحفظنا وأن يوفقنا للطاعة وأن يثبتنا على الإيمان، فالإمام في دعاء دائم لشيعته بل لكافة المسلمين.

فإذن هذا هو الأمر الأول، ينبغي أن نشعر بالرقابة وأنّ الإمام(عليه السلام) عينه مفتوحة علينا دائماً، وأنه حي يرزق بين أظهرنا فقد ورد في التوقيع الشريف الى الشيخ المفيد(قدس سره): (نحن وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين .... فإنّا يحيط علمنا بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم .... إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللاواء واصطلمكم الأعداء...)[2].

وفي توقيع آخر: (... لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء...)[3].

ثانياً: ينبغي أن نعتقد أن وجوده صلوات الله وسلامه عليه هو سبب بقائنا واستمرار بقائنا، وهو البركات التي تحل بنا، فهو الواسطة بين الله تبارك وتعالى وبيننا في إيصال كل خير، وجودنا رهين بوجوده، والبركات والنعم التي نتمتع بها رهينة بدعائه ورهينة برضاه، فينبغي النظر إليه نظر الامتنان والشكر.

ثالثاً: ينبغي أن نعلم ونتيقن أن رضى الله تبارك وتعالى مرهون برضاه صلوات الله عليه، ولا يمكن لأحد أن يصل إلى رضى الله عز وجل إلا عن هذا الطريق، الطريق الذي عيّنه الله تبارك وتعالى، وهو الإمام الحاضر، والحجّة الحاضر هو الإمام المهدي صلوات الله عليه.

فالعلم بكل ذلك يؤدي إلى هذا الشعور الناضج المتكامل في أننا نعتبر الإمام(عليه السلام) فاعلاً في حياتنا ومؤثراً في اتخاذ القرار، كما نفكّر في أي مسألة حيوية في الحياة ونقلق من أجلها ونفكّر بها ونعتبرها دائماً هاجساً يومياً لنا، فكذلك سنفكّر بالإمام المهدي(عليه السلام)
وسنعيش معه وسننتظره.

 

المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (46)

 


[1] سورة البقرة، الآية: ٣.

[2] التهذيب، الطوسي: ج1، ص37.

[3] التهذيب، الطوسي: ج1، ص37.