يتعالى بعض أولياء الأمور على عرش الدّكتاتورية والاستبداديّة في ولايته على بناته، فتراه يزوّج من يشاء ويمنع عمّن يشاء، دون أن يكون لبناته الخيرة من أمرهم، حتّى وإن كلّف بناته كلّها أو بعضها الحرمان من الزّواج العمر كلّه! بل الأدهى من ذلك والأمر هو أن يتولّى على البنات من ليس له الولاية الشّرعية عليهنَّ، كالإخوة والأعمام والأخوال أو أبناء الأعمام! فترى بعضهم يوقف تزويج البنت إلا لابن عمّها، أو أنّ هذه البنت لذاك الابن قد تعيّنت وخصصت له من صغرهما، فترى البنت كالرّيشة اللّطيفة التي تتقاذفها تيّارات الهواء من هنا وهناك، وهذه الصّور الظّلامية كنا قد تصوّرنا أنّها قد تلاشت وانقضى أمدها مع هذا الانفتاح العصري، وذهبت من غير رجعة، لكن بعض أولئك البعيدين عن مفهوم ولاية الأب الشّرعية تصوّروا أنّ بأيديهم كلّ مقدّرات البنت أو الأخت، وإنّ إرادتهم هي الإرادة المطلقة على بناتهم أو أخواتهم، ممّا تسببت هذه الأفكار الاستبدادية في تركة ثقيلة على كاهل المجتمع، وخلّفت أعداداً كثيرة من العوانس البريئات، بل البعض منهنّ فارقنَ الحياةَ دون زواج!
وهذه المشكلة تعالج برجوع أولياء الأمور إلى ثقافة القرآن والسُّنّة المعصومة المطهّرة (على أصحابها آلاف التّحيات والتّسليمات)، والاطّلاع على حجم تلك الولاية، وأنّهم لا يحقّ لهم تأخير الخاطب الكفؤ المؤمن، وأن لا يجبروا بناتهم وأخواتهم على زوج لا ينسجم مع رغبتهنّ؛ لأن ذلك سيتسبّب في فساد في الأرض كما حذّرنا منه النّبيُّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) في قوله: «إِذا جاءَكُم مَن تَرضَوْنَ دِينَهُ وأَمانَتَهُ يَخطُبُ (إلَيكُم) فَزَوِّجُوهُ، إِنْ لا تَفعَلُوهُ تَكُن فِتنَةٌ في الأَرضِ وفَسادٌ كبيرٌ»[1]، وقالَ إمامُنا الرِّضا(عليه السلام): «نَزَلَ جَبرئيلُ على النّبِيّ (صلى الله عليه وآله) فقالَ: يا محمّدُ، إنّ رَبَّكَ يُقرِئُكَ السّلامَ، ويقولُ: إنّ الأبكارَ مِنَ النّساءِ بمَنزِلَةِ الَّثمَرِ على الشَّجَرِ، فإذا أينَعَ الَّثمرُ فلا دَواءَ لَهُ إلاّ اجتِناؤهُ وإلاّ أَفسَدَتْهُ الشَّمسُ، وغَيَّرَتْهُ الرِّيحُ، وإنّ الأبكارَ إذا أدرَكنَ ما تُدرِكُ النساءُ فلا دَواءَ لَهُنَّ إلاّ البُعُولُ، وإلاّ لَم يُؤمَنْ علَيهِنَّ الفِتنَةُ، فَصَعِدَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) المِنبَرَ فَجَمَعَ الناسَ ثُمّ أعلَمَهُم ما أمَرَ اللهُ عزّ وجلّ بهِ»[2].
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (61)