بسم الله الرحمن الرحيم
صليب الكناسة زيد بن علي (عليهما السلام)
مقدّمة:
عرفت المجتمعات البشريّة شخصيّات مؤثّرة في حياة الشعوب والأُمم، إذ كانت فذّة ونادرة، تركت آثارها بسبب مواقفها النبيلة التي أصبحت مناراً يضيء للأجيال طريق الحقيقة، فهي تستحقّ الاهتمام والتقدير.
ومن أبرز هذه الشخصيات زيد بن علي (عليهما السلام) ذلك الثائر المظلوم الذي أطلق صرخته الرافضة للظلم والاستبداد، الرافضة للعبوديّة والإذلال، فهي شخصيّة جديرة بالاهتمام والبحث والدراسة، لاسيّما مع وجود بعض الاختلاف في تقييم مواقفه، ممّا أدّى إلى غموض الموقف الصحيح تجاه زيد وضبابيّته بعض الشيء.
الكلام عن زيد بن علي (عليهما السلام) له جهات عديدة، سوف نحاول أن نوفي بعضها حقه.
اسمه ونسبه:
هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
ولادته:
اختلفت المصادر في تحديد ولادته ولكن قيل أنه وُلد في المدينة المنورة بعد طلوع الفجر سنة ست وستين أو سبع وستين من الهجرة.
أمّه (عليه السلام):
أمه أم ولد من السِّند، وهي أم إخوته عمر الأشرف وعليّ وخديجة، اشتراها المختار بن عبيد الثقفي أيّام ظهوره بالكوفة بثلاثين ألفا وبعث بها إلى الإمام زين العابدين (عليه السلام).
واسمها حوراء وقيل : غزالة، وقيل: جيداء ، أو: جيد.
أوّل مَن سمّاه:
لا يجازف من يرتئي صدور التسمية منه سبحانه وتعالى وَحياً على لسان الأمين جبرئيل (عليه السلام)، أعلَمَ بها النبيّ (صلى الله عليه وآله) حينما حدّثه بما يجري على مهجته وفلذة كبده (صليب الكناسة) من الحوادث الغريبة جداً، ويشهد لذلك حديث حذيفة بن اليمان الذي جاء فيه: (نظر النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى زيد بن حارثة فقال: المظلوم من أهل بيتي سَمِيّ هذا، والمقتول في الله والمصلوب سَميّ هذا، وأشار إلى زيد بن حارثة، ثمّ قال: ادنُ منّي يا زيد، زادك الله حبّاً عندي، فأنت سَميّ الحبيب من ولدي)[1].
وعن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن آبائه (عليهم السلام)، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للحسين (عليه السلام): يا حسين، يخرج من صلبك رجل يقال له زيد، يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس، غراً محجلين يدخلون الجنة بلا حساب)[2].
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): (حدثني أبي عن أبيه الحسين (عليه السلام) قال: وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده على كتفي وقال: يا بني يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يقتل مظلوماً، إذا كان يوم القيامة حشر إلى الجنة)[3].
لقبه:
كان يلقّب ويعرف بـ(حليف القرآن)، و(زيد الأزياد)، قال المقرّم في كتابه زيد الشهيد ص1: إشارة إلى أ نّه مقدّم على كلّ من سمّي بهذا الاسم.
كنيته:
كنيته المعروف بها أبو الحسين وهو (الحسين ذو الدمعة) ابنه الأكبر.
صفاته:
كان تامّ الخلقة، طويل القامة، جميل المنظر، أبيض اللون، وسيم الوجه، واسع العينين، مقرون الحاجبين، كَثّ اللحية، عريض الصدر، بعيدَ ما بين المنكبين، دقيق المسربة، واسع الجبهة، أقنى الأنف، أسود الرأس واللحية إلا أن الشيب خالط عارضَيه. وكان الوابشي يقول: إذا رأيت زيد بن عليّ رأيت أسارير النور في وجهه[4].
نقش خاتمه:
كان نقش خاتمه: (اصبر تُؤجَر، اصدق تَنْجُ).
أولاده:
اتفق أهل النسب وغيرهم على أنه لم يخلّف إلا أربعة بنين وليس له أنثى، وهم يحيى، وعيسى، والحسين ذو الدمعة أمه أم ولد، ومحمد وهو أصغرهم .
نشأته:
نشأ زيد بن علي (عليه السلام) وتربّى في أحضان العصمة والإمامة حيث رباه أبوه السجّاد زين العباد (عليه السلام)، ومن ثمّ تعلّم وأخذ عن مدرسة أخيه باقر علوم الأوّلين والآخرين (عليه السلام)، ومن بعده أخذ وتخرّج من مدرسة ابن أخيه الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)، ومنهم أخذ لطائف المعارف وأسرار الأحكام، فأفحم العلماء وأكابر المناظرين من سائر الملل والأديان.
زهده وعبادته:
قال أبو الجارود: قدمت المدينة فجعلت كلما أسأل عن زيد قيل لي: ذاك حليف القرآن، ذاك أسطوانة المسجد، من كثرة صلاته[5]، ويقول أبو حنيفة حينما يُسئل عنه: هو حليف القرآن منقطع القرين[6]، وفي كلام الفخري والذهبي والشبلنجي وأحمد بن حميد: أنّه من أكابر الصلحاء وأعاظم أهل البيت عبادة وزهداً وورعاً وديناً وخضوعاً[7].
ثورته:
قال الشيخ المفيد في الإرشاد: (وكان زيد بن علي بن الحسين (رضي الله عنه) عين أخوته بعد أبي جعفر (عليه السلام) وأفضلهم، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخيّاً شجاعاً، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويطالب بثارات الحسين (عليه السلام))، ثمّ قال: (وكان سبب خروج أبي الحسين زيد (رضي الله عنه) ـ بعد الذي ذكرناه من غرضه في الطلب بدم الحسين (عليه السلام) ـ أنه دخل على هشام بن عبد الملك، وقد جمع له هشام أهل الشام، وأمر أن يتضايقوا في المجلس، حتّى لا يتمكّن من الوصول إلى قربه، فقال له زيد: إنّه ليس من عباد اللّه أحد فوق أن يوصى بتقوى اللّه، ولا من عباده أحد دون أن يوصى بتقوى اللّه، وأنا أوصيك بتقوى اللّه يا أمير المؤمنين فاتّقه .
فقال له هشام: أنت المؤهّل نفسك للخلافة الراجي لها؟ وما أنت وذاك ـ لا أمّ لك ـ وأنت ابن أمة.
فقال له زيد: إنّي لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند اللّه من نبيّ بعثه، وهو ابن أمة، فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث، وهو إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)، فالنبوّة أعظم منزلة عند اللّه أم الخلافة يا هشام؟ وبعد: فما يقصر برجل أبوه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام).
فوثب هشام عن مجلسه ودعا قُهرَمانَه ـ أَمينُ الملك ووكيلهُ الخاص ـ وقال: لا يبيتنّ هذا في عسكري.
فخرج زيد رحمة اللّه عليه وهو يقول: إنّه لم يكره قوم قطّ حرّ السيوف إلاّ ذلّوا)[8].
دخل زيد الكوفة في شهر شوّال سنة 120هـ، وقيل 119هـ، فأقام بها 15 شهراً، وفي البصرة شهرين، فأخذت الشيعة وغيرهم يختلفون إليه يبايعونه، فبلغ ديوانه خمسة وعشرين ألفاً، وقيل أكثر، من أهل الكوفة والمدائن والبصرة وواسط وغيرها، فيهم الشخصيّات من الفقهاء والقرّاء والعلماء.
كانت بيعته التي أخذها من الناس (الدعوة إلى كتاب الله، وسنّة نبيّنه (صلى الله عليه وآله) وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسمة الفيء بين المسلمين بالسويّة، وردّ المظالم، ونصرة أهل البيت (عليهم السلام))، وكان متنقلا في الكوفة من دار إلى دار، ومن حيّ إلى حيّ، وكأنّه يبلّغ للثورة والجهاد.
وقد عرف والي الكوفة ذلك، وأنّ زيداً قام بتحرّكات في المدينة، وهو يجمّع قواه، ويعدّ العدّة للقيام والثورة، فطلبه وراح يبحث عنه، فلمّا عرف زيد هذا، خشي أن يؤخذ غيلة وغدراً، فلهذا تعجّل في الخروج قبل أوانه، وقبل الوقت الذي عيّنه مع بقيّة أنصاره في أطراف الكوفة وخارجها في الأمصار المجاورة.
وكان ظهوره بالكوفة ليلة الأربعاء 121هـ .
وفي يوم الثلاثاء قبل خروج زيد أمر الحكم بن الصلت بدروب السوق فغلقت، وأغلقت أبواب المسجد على الناس، وبعث إلى يوسف بن عمر وهو بالحيرة يعلمه الحال .
وفي ليلة الأربعاء طلبوا زيداً في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري فلم يجدوه.
وكان شعار أنصار زيد في هذه الليلة كشعار أصحاب بدر: (يا منصور أمت).
وفي صباح يوم الأربعاء لم يحضر مع زيد ممّن بايعه غير (218) رجلاً.
فقال زيد: سبحان الله، أين الناس؟
قيل: إنّهم محصورون في المسجد.
قال: والله، ما هذا لمن بايعنا بعذر.
وسمع نصر بن خزيمة النداء فأقبل إليه، فالتقى مع زيد في (جبانة العائدين) وفيها (500) رجلاً من أهل الشام، فحمل عليهم زيد فهزمهم.
ولمّا دخل زيد الكوفة أشار عليه نصر بن خزيمة بالتوجّه نحو المسجد، لاجتماع الناس فيه، فقال له زيد: إنّهم فعلوها حسينيّة، فقال نصر: أمّا أنا فأضربن معك بسيفي هذا حتّى أقتل.
واستمرّ القتال يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة، صباحاً ومساءً، وقد قتل منهم زيد مقتلة عظيمة، وكان له النصر في أكثر الوقعات.
وبينما زيد يقاتلهم إذ اقترب منه رجل منهم، فشتم فاطمة (عليها السلام)، فغضب زيد، وبكى حتّى ابتلّت لحيته، والتفت إلى من معه، وقال: أما أحد يغضب لفاطمة، أما أحد يغضب لرسول اللّه، أما أحد يغضب لله.
واستمرّ القتال، ولكنّ الأعداء لكثرتهم لم يضرّهم القتل، وراح أصحاب زيد ينقصون شيئاً فشيئاً، ويستشهد الواحد تلو الآخر، حتّى قُتِل نصر بن خزيمة، وكان خسارة جسيمة لزيد وأنصاره، وكذا مقتل معاوية بن إسحاق، فبدأ زيد وأصحابه يدركون أنّهم مغلوبون، ولكن مع ذلك أصرّوا على المقاومة والجهاد مهما كلّفهم الأمر، ولمّا صار ليل الجمعة كانت الفاجعة، والنهاية الأليمة لحركة زيد وجهاده، فإنّه في هذه الليلة رُمي بسهم، فأصاب جبهته ووصل إلى دماغه، فرجع ورجع أصحابه، وجاء أصحابه به فأدخلوه في بيت حرّان بن كريمة مولى لبعض العرب في سكّة البريد، وجاؤوا بطبيب يقال له: شقير اسمه سفيان، فقال الطبيب لزيد: إن نزعته من رأسك متّ .
فقال: الموت أهون عليّ ممّا أنا فيه، فانتزعه منه، فمات رحمه الله.
ودفنه أصحابه ومعهم ابنه يحيى قرب ساقية، وأجروا عليه الماء حتّى لا يعرف قبره.
وكان معهم غلام سنديّ أفشى ذلك إلى والي الكوفي، فجاؤوا في اليوم الثاني، فنبشوا قبره، وأخرجوه، واحتزّوا رأسه، ثمّ صلبوه في كناسة بني أسد أربع سنوات، ثمّ أنزلوه وأحرقوه وذرّوه في الماء.
وقد فصّلت بعض الكتب أحداث الثورة وما قبل الثورة، فذكرت رجالات الثورة ومخطَّطها، ورمز انطلاقها، وكيفيّة بدئ القتال، وأسباب عدم نجاحها[9].
روايات مدح زيد الشهيد (عليه السلام):
وردت روايات كثيرة في مدح زيد الشهيد والإطراء عليه منها: ما رواه الشيخ الكليني في الكافي عن العيص بن القاسم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (... إن أتاكم آتٍ منّا فانظروا على أيّ شيء تخرجون، ولا تقولوا: خرج زيد، فإنّ زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، إنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمّد (صلى الله عليه وآله)، ولو ظهر لوفّى بما دعاكم إليه، إنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه...)[10].
ومنها: مارواه الشيخ الصدوق في آماليه بسنده الصحيح عن أبي الجارود زياد ابن المنذر، قال: إنّي لجالس عند أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام)، إذ أقبل زيد بن علي (عليه السلام)، فلمّا نظر إليه أبو جعفر ـ وهو مقبل ـ قال: (هذا سيّد من أهل بيته، والطالب بأوتارهم، لقد أنجبت أمّ ولدتك يا زيد)[11].
ومنها: ما روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: (الشهيد من ذريّتي والقائم بالحق من ولدي المصلوب بكناسة كوفان، إمام المجاهدين وقائد الغرّ المحجّلين، يأتي يوم القيامة وأصحابه تتلقّاهم الملائكة المقرّبون، ينادونهم: ادخُلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون)[12].
ومنها: ما يرويه أنس بن مالك، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (يُقتل رجل من ولدي يقال له «زيد» بموضع يعرف بالكناسة، يدعو إلى الحقّ ويتبعه كلّ مؤمن)[13].
ومنها: ما عن جابر الجعفي عن الباقر (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال للحسين (عليه السلام): (يا حسين، يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطّى هو وأصحابه رقاب الناس يدخلون الجنة بغير حساب)[14].
ومنها: ما عن سدير الصيرفي قال: كنت عند أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فدخل زيد بن عليّ (عليه السلام)، فضرب أبو جعفر (عليه السلام) كتفه، وقال: (هذا سيّد بني هاشم، إذا دعاكم فأجيبوه، وإذا استنصركم فانصروه..)[15].
ومنها: ما عن فضيل الرسان، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) بعد ما قُتل زيد بن عليّ (عليه السلام) فأُدخلت بيتاً في جوف بيت، وقال لي: يا فضيل، قُتل عمّي زيد بن عليّ (عليه السلام)؟ قلت: نعم جعلت فداك، فقال: رحمه الله، أما إنّه كان مؤمناً وكان عارفاً وكان عالماً وكان صدوقاً، أما إنّه لو ظفر لوفى، أما إنّه لو مَلَك لعرف كيف يضعها)[16].
كلمات العلماء في حق زيد وثورته:
وثّق الكثير من كبار علمائنا زيد الشهيد (عليه السلام) ومدحوه وأثنوا عليه، وهذا يدلّ على مكانته عند أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، نذكر جملة منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1- قال الشيخ المفيد في الإرشاد: (وكان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر(عليه السلام) وأفضلهم، وكان عابداً، ورعاً، فقيهاً سخيّاً شجاعاً، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويطالب بثارات الحسين(عليه السلام)، ثمّ قال: واعتقد كثير فيه ـ كثير من الشيعة ـ الإمامة، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمّد (صلى الله عليه وآله)، فظنّوه يريد بذلك نفسه، ولم يكن يريدها به، لمعرفته (عليه السلام) باستحقاق أخيه للإمامة من قبله، ووصيّته عند وفاته إلى أبي عبد الله (عليه السلام))[17].
وقريب من ذلك ما ذكره الخزّاز القمّي في كفاية الأثر 305.
2- قال المجلسي في مرآة العقول: (دلّت أكثر الأخبار على كون زيد (عليه السلام) مشكوراً، وأنّه لم يدّع الإمامة، وأنّه كان قائلاً بإمامة الباقر (عليه السلام) والصادق (عليه السلام)، وإنّما خرج لطلب ثار الحسين (عليه السلام)، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يدعو إلى الرضا من آل محمّد (صلى الله عليه وآله)، وأنّه كان عازماً على أنّه إن غلب على الأمر فوّضه إلى أفضلهم وأعلمهم، وإليه ذهب أكثر أصحابنا، بل لم أرَ في كلامهم غيره، وقيل: إنّه كان مأذوناً من قبل الإمام سرّاً)[18].
3- قال السيّد الخوئي في المعجم ـ بعد أن ذكر عدّة روايات في مدح زيد ـ : (هذا وقد استفاضت الروايات ـ غير ما ذكرناه ـ في مدح زيد وجلالته، وأنّه طلب بخروجه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، إلى أن قال: (وإنّ استفاضة الروايات أغنتنا عن النظر في اسنادها)[19].
براءة زيد الشهيد (عليه السلام) من دعوى الإمامة:
من الجليّ الواضح بُطلان نسبة دعوى الإمامة لتلك النفس المقدسة والذات الطاهرة، فما هي إلاّ أساطير لفّقها دعاة الباطل للحطّ من كرامة تلك الذات الطاهرة، بغضاً وعدواناً وإن تكن تلك الدعوى، فإنما الغرض منها استنقاذ الحقّ من أيدي المتغلّبين عليه ولاة الجور وأرباب الباطل وإعادته إلى أهله، كما يفصح عنه قول الصادق (عليه السلام): (كان زيد عالماً وصدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمّد، ولو ظفر لوفى بما دعا إليه)[20]، وهذا من أهم الوسائل إلى استحصال الحقّ المغصوب وإعادة سلطان العدل إلى أهله.
وكيف نستطيع أن ننسب له ذلك ونحن نقرأ جوابه لولده يحيى حينما سأله عن الأئمّة الذين يلون الخلافة وعليهم النصّ من النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فإن فيه صراحة بالبراءة من دعوى الإمامة، واعتراف باستحقاق الإثني عشر من أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) للخلافة، وهذا نص الحديث الذي يحدثنا عنه الحافظ عليّ بن محمد الخزاز الرازي القمّي في كفاية الأثر بإسناده إلى يحيى بن زيد قال: سألت أبي عن الأئمّة (عليهم السلام)، فقال: الأئمّة اثنا عشر: أربعة من الماضين وثمانية من الباقين، قلت: فسمِّهم يا أبت، قال: أمّا الماضون فعليّ بن أبي طالب والحسن والحسين وعليّ بن الحسين (عليهم السلام)، وأمّا الباقون فأخي الباقر وابنه جعفر الصادق، وبعده موسى ابنه، وبعده عليّ ابنه، وبعده محمد ابنه، وبعده عليّ ابنه، وبعده الحسن ابنه، وبعده المهدي: فقلت: يا أبت الستَ منهم؟ قال: لا ولكن من العترة، قلت: فمن أين عرفت أسماءهم؟ قال: عهدٌ معهود عهده رسول الله (صلى الله عليه وآله)[21].
وروى محمد بن بكير، في حديث ... قلت ـ أي: لزيد الشهيد (عليه السلام)ـ : يا بن رسول الله، ألست صاحب هذا الأمر؟ قال: أنا من العترة، فعدت فعاد إليّ، فقلت: هذا الذي تقوله، عنك أو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: لو كنتُ أعلم الغيب لاستكثرتُ من الخير، ولكن عهدٌ عهده إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله)[22].
من الكرامات التي ظهرت لزيد (عليه السلام):
أثبت حفّاظ الآثار العديد من كراماته نذكر بعضها:
1- في مقاتل الطالبيين لأبي الفرج: صلبوه عرياناً فارتخى بطنه من قدامه وظهره من خلفه حتّى سُترت عورته من القبل والدبر.
2- في تاريخ الشام ج 6 ص 25، وحياة الحيوان للدميري مادة (العنكبوت): لما صلبوه وجّهوا وجهه إلى جهة الفرات فدارت خشبته إلى ناحية القبلة حتّى فعلوا ذلك مراراً.
3- في أمالي الشيخ الطوسي ص56: قدم الكوفة رجل من النجير ـ النجير حصن في اليمن قرب حضرموت ـ بعد قتل هشام بن عبد الملك زيد بن علي (عليهما السلام)، ورآه مصلوبا فقال: ألا ترون إلى هذا الفاسق، كيف قتله الله؟ قال: فرماه الله بقرحتين في عينيه، فطمس الله بهما بصره، فاحذروا أن تتعرضوا لأهل هذا البيت إلا بخير.
4- يروي شبيب بن غرقد قال: قدمنا الكوفة من الحج فدخلنا الكناسة ليلاً، فلما كنا بالقرب من خشبة زيد أضاء الليل، فلم نزل نسير نحوها فنفحت منها رائحة المسك، فقلت لأصحابي: هكذا توجد رائحة المصلوبين، وإذا بهاتف يقول: هكذا توجد رائحة أولاد النبيين، الذين يقضون بالحق وبه يعدلون[23].
لتحميل الملف اضغط هنا
[1] كنز العمال، المتقي الهندي: ج13 ص398.
[2] الأمالي للشيخ الصدوق: ص 408 – 409.
[3] كفاية الأثر للخزاز القمي: ص310.
[4] مقاتل الطالبيين ص86.
[5] مقاتل الطالبيين: ص 88.
[6] الخطط المقريزية: 4/307.
[7] انظر: نور الأبصار للشبلنجي: ص402، والحدائق الوردية: ج1 ص138.
[8] الإرشاد 2 : 173.
[9] انظر تاريخ الكوفة ص376-399.
[10] الكافي 8: 264، ح381.
[11] آمالي الصدوق: 415، ح544.
[12] الروض النضير ج1 ص58.
[13] شرح الأخبار ج3 ص286.
[14] عيون أخبار الرضا 2 / 226.
[15] عمدة الطالب 2 / 127.
[16] بحار الأنوار ج47 ص325.
[17] الإرشاد 2: 171.
[18] مرآة العقول 1: 261.
[19] المعجم ج8: 357.
[20] بحار الأنوار ج47 ص325.
[21] الصراط المستقيم ج2 للنباطي العاملي ص156.
[22] كفاية الأثر، الخزاز القمي: ص300.
[23] الكنى والألقاب ج1 ص231.