حضر عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عند معاوية يوماً، ومعه الحسن والحسين (عليهما السلام)، وعنده عبد الله بن عباس.
فقال معاوية: يا ابن جعفر ما أشدَّ تعظيمك للحسن والحسين (عليهما السلام)، وما هما بخير منك ولا أبوهما خير من أبيك، ولولا أن فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، لقلت ما أمك أسماء بنت عميس بأدون منها.
فقال ابن جعفر: بل والله لهما خيرٌ منّي، وأبوهما خيرٌ من أبي، وأمهما خير من أمي وإنك لغافلٌ عمّا سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول فيهما وفي أبيهما وأمّهما.
قال معاوية: هات ما عندك، وإن كان أعظم من أُحد وحِراء جميعاً، فوالله ما أنت بكذّاب ولا متَّهم، فلست أبالي إذا قَتَل الله صاحبك، وفرَّق جمعكم وصار الأمر في أهله.
فقال ابن جعفر: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد سُئل عن هذه الآية: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ)[1]، فقال(صلى الله عليه وآله): «إني رأيت اثني عشر رجلا من أئمة الضلال يصعدون منبري وينزلون، يردّون أمتي على أدبارهم القهقرى، فيهم رجلين من حيين من قريش مختلفين وثلاثة من بني أمية وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص»، و«إن بني أبي العاص إذا بلغوا خمسة عشر رجلاً جعلوا كتاب الله دخلاً، وعباد الله خولاً»، وإني يا معاوية سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول على المنبر وأنا بين يديه وعمرو بن أبي سلمة وأسامة بن زيد وغيرهم: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقلنا: بلى يا رسول الله فقال(صلى الله عليه وآله): «من كنتُ مولاه فهذا مولاه أولى به من نفسه، وضرب بيده على منكب عليٍّ(عليه السلام)»، وقال(صلى الله عليه وآله): «مَن كنت مولاه فعليُّ مولاه، يكون في عقب محمد رجال، واحد بعد واحد، وليس منهم أحد إلا وهو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر، كلّهم هادون مهتدون».
فقال معاوية: لقد تكلّمت بعظيم، ولئن كان ما تقول حقّاً لقد هلكت أُمّة محمد من المهاجرين والأنصار غيركم أهل البيت وأوليائكم وأنصاركم.
فقال ابن جعفر: والله إنّ الّذي قلت حق سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وآله).
فقال معاوية للحسنين وابن عباس: ما يقول ابن جعفر؟
فقال ابن عباس: إن كنت لا تُؤمن بالذي قال فأرسل إلى الّذين سمّاهم فاسألهم عن ذلك.
فقال معاوية: إليَّ بعمر بن أبي سلمة، وأسامة بن زيد.
فلما حضرا قال لهما: ما تقولا في كلام ابن جعفر؟
قال كلاهما: سمعناه من رسول الله(صلى الله عليه وآله) كما سمعه.
فقال معاوية: يا ابن جعفر قد سمعناه في الحسن والحسين وفي أبيهما، فما سمعت في أمهما.
فقال ابن جعفر: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله) يقول: «ليس في جنّة عدن منزل أشرف ولا أفضل ولا أقرب إلى عرش ربي من منزلي، ومعي ثلاثة عشر من أهل بيتي أخي عليّ وابنتي فاطمة وابناي الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».
فقال معاوية: كلّكم على ما قال ابن جعفر؟
قالوا: نعم.
قال معاوية: يا بني عبد المطلب إنكم لتدّعون أمرا عظيماً، وتحتجّون بحجج قويّة، والنّاس عنه في غفلة عمياء، ولئن كان ما تقولون حقّاً لقد هلكتِ الأُمة، وارتدّت عن دينها، وتركت عهد نبيّنا غيركم أَهل البيت، ومن قال بقولكم، فأولئك في النّاس قليلٌ[2].
مجلة اليقين، العدد (38)، الصفحة (8 - 9).