بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
إن من أولى أولويات المؤسسات الدينية نشر الثقافة الدينية الصحيحة بين الناس وتوعية الأجيال المؤمنة بما تحتاجه من غذاء فكري وروحي معا، وإنه مما لا خلاف فيه ولا يتنازع عليه اثنان أن العتبات المقدسة هي في طليعة هذه المؤسسات التي يقع على عاتقها هذا الدور الكبير لما تتمتع به من مقبولية وتعلق كبيرين في قلوب ونفوس المؤمنين في كل بقاع الأرض، ولذا كان من المهام التي اضطلع بها قسم الشؤون الدينية في العتبة العلوية المقدسة إصدار سلسلة من الكتب والكراريس والمنشورات المختلفة بحسب المناسبات التي تمر بها الأمة، حسب ما تراه مناسبا ومهمّاً، منتهزةً هذه الفرصة لتسلط الضوء عليها، بما يسهم في تعريف الأجيال المختلفة بهذه المناسبات الإسلامية، لاسيما الجيل الجديد الذي يعاني انسلاخا عن واقعه الإسلامي بثقافته وأخلاقه بسبب الغزو الفكري المستورد مع تنامي أدوات التكنولوجيا الحديثة التي جعلت العالم يعيش قرية صغيرة واحدة، بل بيتا كبيرا واحدا تشاع فيه ثقافة واحدة هي بالتأكيد ليست الثقافة التي نتمناها لأبنائنا، ومن يقودون البلاد الإسلامية غدا، لذا فهذه البادرة المتواضعة هي لإيجاد مادة مضغوطة ومركزة، لتحتوي على الأمور المهمة التي يجب الاطلاع عليها، وتكون صغيرة في الحجم ومقبولة للقارئ، وتجعل في متناول أيديهم، لينتبهوا إلى كبر الهوّة بين ماضيهم وحاضرهم من الناحية المعرفية وعظم الخطر المترتب على ذلك، فيحاولوا الرجوع وتلمّس بعض الشذرات من الماضي العريق للأمة الإسلامية، ليكون نبراساً يضيء لهم درب المستقبل حتى يكون مشرقا بثقافة رصينة وخُلُق عالٍ ومُثُل إلهية، فنعيد بذلك أمجاد الأمة الإسلامية التي لا زال الآخرون - لحد الآن - يعيشون على فتات موائدها.
ومن جملة هذه الكتيبات والمنشورات هذا الكتاب الذي يحاول أن يسلط الضوء على حادثة خطيرة حصلت بعد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وكانت لها أبعاد وتداعيات كبيرة ومختلفة استمرت بعدها في أجيال أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وصارت رمزا لمظلوميتهم وعنوانا لخلافتهم، حتى اقترن غصب فدك بغصب الخلافة في تلميحاتهم وتصريحاتهم حسب الظروف والمناسبات.
فلما كان هذا العنوان - فدك - يضم في جنباته أبعادا مختلفة تمس جوانب مهمة من تأريخ الأمة وعقيدتها ويسلط الضوء على أخلاق بعض رموزها، كان من المناسب التعرض له لبيان هذه الأبعاد والتضاريس المختلفة من حياة الأمة.
ونحن في هذا الكتاب سوف نتعرض بشكل مسهب ـ نوعاً ما ـ إلى جملة من الأبحاث التي لها دور في ما جرى وكيف جرى، وبالتالي نصل إلى تحليل المعطيات التأريخية والوصول إلى الحقيقة المؤلمة، والتي مفادها: أن رموز الخلافة الجدد ارتكبوا أبشع اغتصاب في التاريخ ـ بعد اغتصاب أصل الخلافة الذي هو أم المصائب ـ وهو اغتصاب أرض فدك من الزهراء (عليها السلام) تلك الارض التي نحلها إياها الرسول (صلى الله عليه وآله) في حياته. فكان بذلك اعلاناً واضحاً للحرب على أهل بيت الوحي وتتميماً لمخطط إبعاد الخلافة عنهم بتجريدهم من كل ما يميزهم عن غيرهم لتتوالى بعد ذلك سلسلة من المآسي عليهم (عليهم السلام) ولا تنتهي ابداً، فهم من جريمة في حقهم إلى جريمة حتى يأذن الله للمنتقم لهم ـ روحي فداه ـ في أن ينشر العدل على هذه البسيطة فيأخذ لهم بثأرهم من غاصبيهم.
فسوف يجد القاريء العزيز في هذا الكتاب بياناً لممتلكات النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) ومن ضمنها فدك وكذلك للروايات ـ من الطرفين ـ التي تدل على أن النبي(صلى الله عليه وآله) قد نحل فدكاً للزهراء(عليها السلام)، ونقلاً عن كتب التاريخ لكيفية أخذ فدك من الزهراء(عليها السلام)، ثم تحليلاً لما تم وبحثاً عن التسمية الصحيحة له، هل هو غصب أم استرداد لاستحقاقات الخلافة.
ثم نعرض كيفية مطالبة الزهراء (عليها السلام) لحقها، والمراحل التي تمت به هذه المطالبة... إلى كثير من التفاصيل وبيان بعض المصطلحات والمفردات التي تساهم في بيان كيفية المحاكمة وأسلوب القضاء الإسلامي لمعرفة حقانية الزهراء (عليها السلام) وظلم أعدائها.
ثم مسيرة فدك عبر التاريح ومَن ردها لأهلها ومَن غصبها... إلى غير ذلك من أبحاث نرجو من الله أن تكون كافية لإظهار الحق وبيان الواقع بشكل لا لبس فيه لمن كان دأبه البحث عن الحق والحقيقة، نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لنصرة الحق وأهله وأن ينظر إلى هذا العمل بعين القبول.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
شعبة التبليغ